صناعة القيم في العصر الحديث
في مثل هذا العصر الديناميكي المتسارع الذي بات يُعرف بعصر السرعة أو العصر الحديث، أصبح وجود منظومة أخلاقية وتربوية في فكر وسلوك البشر، ضرورة ملحة وحاجة أساسية، وذلك من أجل الحصول على حياة مستقرة وآمنة.
وتُعدّ منظومة القيم الأخلاقية التي تغص بالمُثل والمبادئ والخصال السامية التي بشّرت بها كل الأديان السماوية وتوافقت عليها الأمم والشعوب، الملاذ الآمن والحضن الدافئ للبشر في كل العصور، ومنظومة القيم الأخلاقية، كبيرة وكثيرة، مثل: التسامح والتآخي وقبول الآخر وتعزيز الحوار الرشيد والاحتكام للقوانين والأنظمة والبعد عن الأهواء والتماسك المجتمعي والسلم المجتمعي وأداء الأمانة والإخلاص في العمل ونبذ الفرقة ومكافحة الفساد ونشر العلوم والمعارف المفيدة وتجنب الكذب وتعزيز الاعتدال والوسطية ومحاربة الطائفية والطبقية والعنصرية وغيرها الكثير الكثير من المفردات والمعاني والمضامين التي تحملها منظومة القيم الأخلاقية التي تُعتبر المقياس/المؤشر الحقيقي لقيمة ومكانة المجتمعات والأمم، كما يعود لها الفضل في تهذيب السلوك الإنساني وتنمية الجانب الروحي وذلك لتعزيز حالة السلم والتعايش المجتمعي والتي بدورها ستُحقق الهدف المنشود والذي يتمثل في إنتاج المحتوى الأخلاقي والسلوكي في فكر ووعي الأفراد والمجتمعات، إضافة إلى صنع أجواء الانفتاح والتسامح لتتحقق الأهداف والأحلام التنموية والنهضوية.
ولا شك أن الأخلاق كمنظومة وممارسة، تُعتبر مرتكزاً أساسياً للمجتمعات والأمم، ويُعدّ تشكل واستقرار منظومة القيم الأخلاقية في الوعي الجمعي والمخيال الشعبي، قضية معقدة وشائكة، وتحتاج للكثير من الاهتمام والتخطيط، وإلى بعض المتبنيات والاستراتيجيات المؤثرة والفاعلة، ومنها: الاهتمام الكبير بالقيم الأخلاقية المتعددة وتعزيزها بشكل جاذب وواقعي بعيداً عن أساليب الوعظ والتلقين، وتنمية الحس الوطني والاندماج المجتمعي بين أفراد ومكونات المجتمع، وتهيئة مؤسسات التنشئة الاجتماعية لتكون المناخ المناسب لتعزيز القيم والأخلاقيات والسلوكيات الإيجابية، وذلك بتعزيز الكثير من الثقافات والمهاترات، مثل تضمين المناهج الدراسية برسائل ومعاني القيم الأخلاقية، ومراقبة وتوجيه الإعلام بمختلف أشكاله ومستوياته لممارسة دوره القيمي والحضاري، والأهم من كل ذلك سن القوانين واللوائح لتقويم التعديات والتجاوزات ولضبط وحوكمة ونجاح كل تلك المتبنيات والإستراتيجيات، وذلك لضمان استمرار وديمومة منظومة القيم الأخلاقية.
منظومة القيم الأخلاقية، رغم أهميتها الكبرى، تحتاج إلى إعادة صياغة وتشكيل، لتتناسب مع طبيعة وظروف المرحلة الجديدة في هذا العصر الجديد والمختلف كثيراً عن كل تلك العصور والمراحل السابقة.