العقل والعاطفة والتفاهم
قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] آية «13» سورة الحجرات.
إن جيل الشباب قبل أن يفكر بالزواج يجب أن تكون لديه قدرة على التركيز والاستيعاب بعض النقاط والأمور الأساسية قبل الذهاب للفرعية، فلا يجب أن يكون الفرد المقبل على الزواج مرتبط تفكيره أو عقله بالشهوة والمظهر الخارجي فقط بل هناك أمور جوهرية يجب التركيز عليها قبل الدخول في هذه العلاقة المحفوفة بالمشاكل والصعوبات التي تحتاج إلى الصبر وتحمل المسؤولية دون التمسك بالمثالية والتوقعات العالية التي توحي بأن الطرف الثاني سيصبح على حسب مزاج الطرف المقابل، أو أن في هذه العلاقة لن تحدث فيها تصادمات وخلافات بين الطرفين وهذا أمر خاطئ طبعا فالحياة الزوجية تحتاج لسيطرة على الأعصاب وتفاهم بين كل طرف.
وفي هذا الزمن يجب على الشاب أن يحسن الاختيار والتعارف بقوة ولا يستعجل في تسريع أمور الزواج من قبل الأهل بل عليه أن يأخذ وقت قبل التقدم على هذا الأمر وعلى حسب المدة سنة أو أشهر معدودة من أيام الخطوبة، من أجل أن يتخذ القرار الحاسم الذي يوحي بأن ذلك الفرد مستعد ونفسيته متقبلة للحوار والنقاش مع الطرف الثاني في مختلف الجوانب سواءا كانت عن الأخلاق أو العواطف أو الأموال، وغيرها من جوانب أخرى تحتاج لأن يكون جيل الشباب غير همجيين بالأخص في أول لقاء وحديث.
ثلاث نقاط رئيسة يحتاج إلى أن يملكها كل طرف أو شريك حياة وهي: «العقل، والعاطفة، والتفاهم»، وفي هذا الجزء النصي سنتحدث عن كل نقطة بشكل واضح نوعا ما:
1 - العقل: يجب أن يكون الرجل عاقل متصف بالحلم الذي يجعله يمسك نفسه عند الغضب الشديد أو عند لحظة حدوث المشاكل بين الطرفين سواءا كانت كبيرة أو صغيرة، بمعنى آخر عليه أن لا يتعجل بإطلاق الكلمات الجارحة أو العنيفة التي تسبب عصبية وتنافر بين الزوجين نتيجة التهور في الكلام وفقدان الأعصاب والصراخ.
2 - التفاهم: يجب أن يكون كل طرف متفاهم مع الآخر فإذا لم يكن هناك توافق واتفاق ستكون العلاقة مهزوزة وغير متماسكة فمثلا عندما يكون هناك تصرف أو صفة لا تعجب الطرف المقابل، من هنا عليه أن يخبر الآخر بالسلوك الذي يسبب له إزعاج ومضايقة وطبعا يكون ذلك بالتعبير عن المشاعر والرأي تجاه الطرف الثاني بهدوء وأريحية دون التوجه للهمجية والعدوانية التي ينتج عنها الانفعال الزائد.
3 - العاطفة: على الطرفان أن لا يملكان سلوك الجفاف العاطفي الذي يثير في النفوس والمشاعر البرود والخوف من التعبير عن مشاعر الحب الحقيقية، أو الكراهية في حال وجود أمور وتصرفات لا تعجب الطرف المتضايق منها، وفي هذا المجال كل طرف يحتاج لفرصة وجلسة لها هدف في تفريغ هذه الشحنات السلبية بكل أريحية وذلك كي يشعر كل طرف بالراحة عندما يتحدث مع الآخر بوضوح وشفافية تبين إن كل طرف يريد إظهار الحقائق، كي تكون العلاقة متماسكة أكثر وأكثر كلما كان هناك حوار فعال وثغرة تهدف لإصلاح المشاكل بين فترة وأخرى.
- في هذا الجزء النصي سنذكر مثال على المبالغة والمثالية التي تدمر حالة التفاهم والعواطف وطريقة التفكير بالعقل وبالتالي يتسبب ذلك في المشاكل التي تحصل بين الزوجين بالعصر الحديث، وينتج عنها في نهاية المطاف الخلافات الكبيرة إلى أن يصل ذلك لحالة الطلاق:
المثالية والمقارنة مع الآخرين هي أساس الفشل في تكوين الشخصية والعلاقات مع الناس، لأن الإنسان الذي ينشغل بالحالات الجمالية بصورة مبالغ فيها يقع في فخ التوقع العالي، وذلك بأن يرى كل شيء سيكون مثالي عندما يتسابق في المبالغة والتوجه لتقليد حركات وتصرفات الآخرين في برامج التواصل الاجتماعي.
ومثلا تقليد الأزواج الذي يصورون حياتهم وهم سعداء ومستمتعين بكل لحظة ولكن في الحقيقة كل هذه الكلمات والأحاديث التي ينشرها الناشر في كل صورة ومقطع فيديو بالسناب شات أو الانستقرام تعتبر هوس ووهم يعيشه ذلك الإنسان المضغوط نفسيا والمهووس وغير العاقل الذي يتتبع كل حركة يقوم بها من حوله على أرض الواقع أو السوشيال ميديا.
هذه الحالة سبب في الفشل بتقييم الذات والآخرين فمن يأخذ انطباعات واعتبارات مثالية عند رؤية كل منشور في برامج التواصل الاجتماعي يسبب له هذا الأمر الإدمان والتعود على متابعة حياة الناس بشكل يومي دون وعي وإدراك بما يحصل لتفكيره وشخصيته التي ستكون مهزوزة ومعقدة نفسيا بالمستقبل عند الوقوع بهذا الفخ.
على جيل الشباب أن لا ينجروا خلف هذا القطيع الفاسد الذي يتبع مبدأ الاعتقاد بأن الإنسان الذي يرى الأزواج في البرامج التواصل يبادروا بنشر حياتهم الشخصية وصورهم لا يعانون من مشاكل، بل أن البعض منهم لديه نقص وعيوب فلا يوجد هناك فرد كامل ولا يواجه مشكلات سواءا كانت شخصية أو اجتماعية.
ومن هذا المنطلق على جيل الشباب أن تكون لديه تلك النظرة التي تعطيه دافع على التفكير في الانشغال بتحقيق الأهداف الواقعية كالتي تشمل معرفة النقائص الذاتية ومعالجة المشاكل في العلاقة الزوجبة بشكل واعي دون أن يتوقع من كل إنسان مثل الأمر الذي يفكر فيه بباله.