السفر للأمس واليوم والغد؟
هل مازال السفر ارتحالاً ومشقة وعناء وحدوداً، تماماً كما هو متعة ودهشة ومعرفة وتجربة؟ السفر، رحلة كونية تزدحم بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة، والتي قد تُؤثر في طبيعة وحياة البشر، بل وقد تُشكّل وتكوّن ذائقتهم وثقافتهم. هكذا هو السفر، حياة أخرى تُضاف إلى البشر، منذ عصر الإنسان الأول وحتى عصرنا الراهن.
والكتابة عن السفر، أشبه بغوص غائر في أعماق الفرح والسحر والدهشة، بل هي تحليق عالٍ في فضاءات الخيال ومساحات الألق. ماذا لو قررنا السفر للمستقبل بكل دهشته وتسارعه وتجدده؟
وبماذا ستغص حقيبة سفر المستقبل؟
وما متطلبات ومستلزمات وحاجيات هذه ”الرحلة الحديثة“ التي تختلف عن كل تلك الأشكال المتعددة للرحلات التقليدية؟
حقيبة السفر التي سنحملها في رحلة المستقبل، لن تكون حقيبة جلدية تقليدية ندس فيها متعلقاتنا الشخصية التي نحتاجها في سفرنا الاعتيادي، بل هي ”حقيبة عصرية“ متوفرة بكل المقاسات والأحجام والإمكانات، وكذلك بكل الرغبات والطموحات والتطلعات، فهي حقيبة صُنعت لتكون ”المحتوى“ الذي يحتاجه المسافر في رحلته للمستقبل.
هذه الحقيبة المثيرة، مليئة بكل أشيائنا الجميلة والنظيفة والمفيدة والتي ستكون زادنا الوفير في رحلة طويلة ينتظرها العديد من المحطات والوجهات والتحولات المثيرة التي قد تُغير من حياتنا.
ولكن، ماذا لو قررنا السفر للوراء، السفر للماضي بكل إرثه وتراثه وأحداثه وقصصه ومروياته وتحولاته وتطوراته.
والسفر للأمس، ظاهرة إنسانية تتعرض للكثير من السخرية والتشكيك، بل والمواجهة والممانعة. العودة للأمس، ظاهرة مثيرة تستحق الاهتمام، فهي عودة لكل ذكرياتنا وأحلامنا التي غادرتنا على عجل، ولم يتبق منها سوى الصور والقصص التي تحضر بين الحين والآخر، خاصة حينما يجتاحنا الحنين.
السفر للأمس، والذي يطلق عليها البعض ”عودة ماضوية“ أو ”قفزة للوراء“، طريقة عفوية نُمارسها بحب كلما غالبتنا الحياة، ومهما كانت الرحلة للأمس قد تُعلي من شأن الماضي بكل ما يحمله من ملامح وتفاصيل، إلا أنها رحلة ماتعة في أودية الذاكرة ودروب الأمنيات، تستحق المشقة ووعثاء السفر.