هل يمكن أن تغير القراءة حياتنا؟
يدفعك عنوان كتاب «كيف غيرت القراءة حياتي» إلى اقتنائه بدون تفكير طويل، فهو يتميز أيضًا بأسلوب جميل وثراء معلوماتي حول القراءة. يتحدث هذا الكتاب عن مشوار القراءة الذي مضت فيه مؤلفته «آنّا كويندلين» منذ طفولتها، حيث تقول «وهي أيضًا روائية أصبحت كتبها الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز عام 2012»: ”كان يتملكني إحساس داخلي على الدوام، حتى عندما كنت صغيرة جدًّا، أنني يجب أن أكون في مكان آخر“. ولأنها كانت في بلدة صغيرة جدًّا فقد كانت تتجول في أنحاء العالم من خلال الكتب، كما قالت، حيث زارت إنجلترا خلال العصر الفيكتوري من خلال كتاب «ميدلمارش» و«الأميرة الصغيرة»، وذهبت إلى سانت بطرسبرغ من خلال كتاب «آنا كارنينا»، ومواقع أخرى رائعة عبر كتاب «ذهب مع الريح» و«ريبيكا».
تقول كويندلين إنها حصلت على منحة دراسية في مدرسة الدير عندما كانت في الصف الثامن، وذلك لأنها كانت تعرف إجابة سؤال في المقابلة الشخصية عن مصدر اقتباس أدبي ورد في رواية قصة مدينتين، في حين لم تعرفها زميلاتها. وتقول الكاتبة: ”كان هذا الكتاب لي مثل الكثير من الكتب الأخرى التي قرأتها، إذ لم يبد لي أنه مجرد كتاب فقط، ولكنه كان أشبه بمكان عشت فيه، وزرته وسأزوره مرة أخرى، تمامًا مثل كل الشخصيات المحظوظة المباركة التي تعيش في تلك الكتب“. وتضيف كويندلين عن علاقتها بالكتب: ”كان منزلي يقع في مكان جميل في أطراف فيلادلفيا، لكنني عشت حقًّا في مكان آخر؛ عشت في طيات أغلفة الكتب التي كانت أكثر واقعية بالنسبة لي من أي شيء آخر في حياتي...“، وتقول في موضع آخر: "لا تزال إحدى القصائد لإميلي ديكنسون محفورة في ذاكرتي حين قالت:
لا توجد سفينة مثل الكتاب تأخذنا إلى الأراضي البعيدة
ولا توجد فرس سريعة مثل صفحة من الشعر الرقيق".
ثم تقول: ”لا يمكن إلا لطفل ساخط حقًّا أن يكون مفتونًا بالكتب كما كنت، ربما كان القلق نتيجة طبيعية لا بد منها للإدمان على القراءة“. وعن ردة فعل أمها بتعلقها بالقراءة في طفولتها تقول: تراني والدتي فتقول: ”إنه يوم جميل، كل أصدقائك في الخارج“. لطالما كانت تقول ذلك؛ في الخريف والربيع، بل حتى عندما يتساقط الثلج. كان كلامها صحيحًا؛ كانوا دائمًا في الخارج.
وتقول المؤلفة في الكتاب الذي ترجمه محمد كحال، وطبعته دار شفق في 116 صفحة، إن أفضل ذكرياتها لم تكن إلا داخل المنزل، ”في أنحاء كتاب كنت قد وضعته على الطاولة مفتوحًا لأعرف أين وصلت في القراءة، وشخصياته الخيالية تنتظرني لأعود إليها كي أعيدها إلى الحياة من جديد“. ”لم أكن أقرأ بدافع الشعور بالتفوق، أو التقدم، أو حتى التعلم؛ لقد كنت أقرأ لأنني أحببت القراءة أكثر من أي نشاط آخر على سطح البسيطة“.
وتحدثت في جانب آخر من الكتاب عن دور مجموعات القراءة التي اشتركت فيها ونوادي القراءة في تجربتها القرائية، وكذلك عن إحدى السيدات التي كانت تسمح لها بدخول مكتبتها الخاصة والقراءة. وتذكر كويندلين معاناتها في السنة الأولى من ولادة طفلها الثاني، حيث الفوضى تملأ بيتها بأكواب الحليب والألعاب، فتقول عنها: الكتب هي ما أنقذ سلامتي العقلية في ذلك الوقت، فقد كانت ملاذي الذي أهرب إليه حتى لو لم يتجاوز ذلك خمس عشرة دقيقة فقط قبل أن أغفو حتمًا في السرير.
وذكرت المؤلفة في ثنايا الكتاب أسماء عدد كبير من الكتب والروايات التي قرأتها خلال مراحل حياتها، كما ذكرت كيف كان أبوها يحب قراءة الكتب الفكاهية، وكثيرًا ما كان يضحك حتى خشيت على قلبه من التوقف، كما ذكرت كيف كانت أمها تقرأ رواية ثم سمعت صوت نشيج شديد لتلتفت وتجد أمها تبكي.
هذه الأحداث التي كانت تعايشها ألقت بظلالها عليها وتأثرت بها إيجابيًّا، وتعلمت منها كيف يمكن للكلمات أن تترك أثرًا في القراء، وربما لو استطاعت هي أن تصبح كاتبة مستقبلًا فسوف تستطيع أن تؤثر في القراء كما فعل بعض المؤلفين بوالديها.
حتى السفر أصبح لديها مرتبطًا بالقراءة حين قالت: أنا من النوع الذي يفضل البقاء في المنزل، محاطة بالعائلة والأصدقاء والألفة والكتب، أما ما يعجبني في السفر الآن فهو الوقت الذي أقضيه في الطائرات بين صفحات الكتب، والعزلة، والسعادة.
وفي خاتمة الكتاب أوردت الكاتبة إحدى عشرة قائمة لكتب تقترحها، وهي: 10 كتب كبيرة ورائعة يمكن أن تستغرق منك صيفًا كاملًا قي قراءتها، 10 كتب واقعية تساعدنا على فهم العالم، 10 كتب من شأنها أن تساعد المراهق على الشعور بإنسانيته، 10 كتب سأنقذها إن احترقت مكتبتي «إذا أمكنني إنقاذ 10 كتب فقط»، 10 كتب لفتاة جيدة المزاج «أو يجب أن تكون كذلك»، 10 روايات تدور حبكاتها حول الغموض أرغب في قراءتها في الإجازة الصيفية، 10 كتب أوصى بها أمين مكتبة مدرسة ابتدائية فريد من نوعه، 10 كتب من الاختبارات الجيدة لنوادي القراءة، 10 روايات حديثة جعلتني فخورة بأني كاتبة، 10 كتب من الكتب التي يقول صديقي بين، الذي له عدد لا يحصى من القراء، إنه استفاد منها كثيرًا، 10 كتب أحب قراءتها ببساطة، وسأظل أقرؤها دائمًا.
ولا يمكن القول هنا إلا أن كتاب «كيف غيرت القراءة حياتي» يستحق القراءة، بل يحفز عليها عبر القصص والشواهد والمواقف العديدة التي تملأ صفحاته.