غادة السمان والقراءة والمقامرة
ليتنا نعي ما قالته الكاتبة السورية غادة السمان في أحد كتبها: إن القراءة مثل المقامرة؛ فكلما أخذت منها شعرت بأنك بحاجة إلى المزيد منها. تلك الكاتبة التي أثرت المكتبة العربية في مرحلة مبكرة، وبسببها تعلق شباب الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وما بعدها بالقراءة، بأسلوبها الجميل وعناوينها المثيرة. وكان المراهقون آنذاك يحملقون في عينيها الكحيلتين مرددين: كيف لجميلة كهذه أن تكتب هذه السطور الجميلة! من أي بحر تغرف ومن أي معين تنهل؟ ولماذا لا يكتب الآخرون كما تفعل؟
لكن الغرابة زالت عندما علمت فيما بعد أن أمها «سلمى رويحة» كانت أديبة، ووالدها كان رئيس جامعة دمشق ثم وزيرًا للتعليم، وهو من شجّعها لكي تصبح أديبة، وأن نزار قباني كان أحد أقربائها.
ولذلك فإنني عندما حصلت على أول كتاب لها «أعلنت عليك الحب» من أستاذي وقريبي الدكتور علي القضيب في سبعينيات القرن الماضي قرأته كأسرع ما أقرأ، وكنت كلما أنهيت منه صفحة أغلقه لأنظر إلى الغلاف الأمامي والخلفي لكتاب الكاتبة التي أطلق عليها «معشوقة المشاهير».
تحب هذه الكاتبة القراءة كما تحب الكتابة، ولذلك فإنها حينما تكتب تنساب الكلمات على سطور كتبها كما كانت مياه نهر بردى تنساب في شوارع دمشق، وكما أخبرت الكاتب الأستاذ سعد الحميدين قبل عدة سنوات حينما سألها عن آخر مشاريعها، فردت عليه إنها تقرأ أكثر مما تكتب. «جريدة الرياض - 6 يوليو 2019م».
أكثر ما يثيرك في غادة عناوين مقالاتها وكتبها، ثم الأسلوب الجميل الذي تبدأ به بحيث تجرك معها إلى أسفل الصفحة سطراً سطراً ثم صفحة صفحة، ولا تنتبه إلا وقد طويت الصفحات خلفك. ومن عناوين كتبها: عاشقة في محبرة، لأنني أحببتك، زمن الحب الآخر، اعتقال لحظة هاربة، تسكع داخل جرح، الحب من الوريد إلى الوريد، البحر يحاكم سمكة، شهوة الأجنحة، صفارة إنذار داخل رأسي، لا بحر في بيروت. وحين تدقق اليوم فقد لا تجد كثيرًا من أشباه هذه العناوين. فقد وعت هذه الكاتبة مبكرًا أهمية استدراج القارئ إلى كتبها ومقالاتها بجمال العناوين وسلاسة الأسلوب، بدل التعالي عليهم بتعابير تحتاج إلى قاموس أو غوغل لفهمها.