القراءة والتعاطف مع الآخرين

الحديث عن أن قراءة الروايات تنمي حالة التعاطف مع الآخرين ليس مبالغة، وليس مجرد رغبة في التشجيع على القراءة، بل هو واقع معاش، ونتيجة لدراسات علمية تُنشر بين حين وآخر.

فما يحدث أثناء قراءة الروايات أن القارئ وبسبب انغماسه في الرواية يتخيل في ذهنه صورًا عن الشخصيات والأماكن والمواقف، حينها تنداح في ذهنه الأسئلة للربط بين هذه الأمور وتخيل أو توقع نتائج معينة من سير الأحداث وهو ما يوجد مع الوقت درجة من النضج لدى القارئ. وتخلق الروايات حالة لدى القارئ تجعله لا يفرق بين قراءة الرواية ومعايشة أحداث حقيقية شبيهة، ذلك أن تحفيز المناطق العصبية في الدماغ التي تخلق درجة من التعاطف مع بعض شخصياتها، يمكن أن ينعكس على سلوك القارئ الحياتي تعاطفًا مع الناس. فعندما يقرأ عن معاناة الفقراء وكيفية عيشهم وأكلهم ومسكنهم، فهذا يمكن أن يخلق لديه تعاطفًا مع الفقراء في الحياة الواقعية. وكذلك الأمر حينما يقرأ عن معاناة من يقع عليهم ظلم أو تمييز من نوع ما كالتمييز العرقي أو العنصري.

ومما يعزز من حال التعاطف مع الآخرين أن قراءة الروايات تدفع القارئ لرؤية الأمور من وجهة نظر الآخرين، وهو ما يسهل من حال التماهي معها، ومن ثَم يصبح القارئ أكثر قدرة على فهمها، وهو أيضًا تعويض عن نقص التجارب الشخصية لدى البعض.

وكما سائر الأمور فإن حالة التعاطف لا تتجلى سريعًا، بل إنها تختمر وتتبلور بهدوء حتى تصل إلى النحو الذي ذكرناه. كما أن النتائج بالطبع ليست حتمية البتة، فقد لا تؤدي قراءة الروايات إلى النتيجة المذكورة بسبب عوامل أخرى، وبسبب تداخل التأثيرات والمؤثرات والعوامل الذاتية والخارجية لدى كل شخص، حتى إننا قد نجد من بين قراء الروايات مجرمين، بل إن من بعض كتاب الروايات أنفسهم من قد ينحو للإجرام من أجل الحصول على إلهام خاص يزعمه لإكمال روايته؛ وهو أمر موجود بالفعل.

ختامًا قد يتساءل البعض عن دور مشاهدة الأفلام في خلق التعاطف مع الناس وتفهم مشاعرهم، فيقول بعض الباحثين إن ذلك قد يكون له تأثير عكسي أو أضعف من تأثير قراءة الروايات؛ إذ يبدي الأشخاص الذين يكثرون من مشاهدة التلفاز مثلًا قدرة أقل على فهم الآخرين أو التعاطف معهم.