أثر الرمز في ذاكرة العالم

تُعدّ صناعة الرموز والأيقونات، قديماً وحديثاً، استثماراً واعياً ونجاحاً ملهماً للمجتمعات المتطورة والذكية، وذلك عبر تكريس وتكثيف الاهتمام والتوجيه لتلك الرموز والنماذج الإنسانية والحضارية. وهي صناعة مرموقة لها أدواتها ومقوماتها وآلياتها، تستثمر كل ملامح التفوق والتميز بشكل اقتصادي وثقافي، مسلطة عليها ماكناتها الإعلامية الضخمة لتصنع منها أساطير وأيقونات تُلاحقها وسائل الإعلام المختلفة وتُبرزها بشكل مُبهر ومُدهش ومُلهم، لتعكس الصورة النموذجية التي تُريد أن يُشاهدها العالم من خلال تلك الطبقة البرّاقة والنماذج الجذّابة التي تعشقها الكاميرات والأضواء، فضلاً عن الجماهير والعشاق.

وقد شكّلت صناعة الرمز والأسطورة في العالم، شرقاً وغرباً، واقعاً مجتمعياً ونمطاً سلوكياً، تبنته الذائقة الإنسانية الشرقية والغربية، بل اعتبرتها مصدراً ملهماً وذكياً للفت انتباه العالم، بل والتأثير عليه، وذلك من خلال شخصيات وأيقونات في مختلف المجالات والمستويات، في السياسة والثقافة والأدب والفن والرياضة، وفي كل ملامح وتفاصيل الحياة. لقد شكلًت هذه الرموز والأساطير للأمم والمجتمعات قوة ناعمة كبرى وواجهة حضارية باذخة، ساهمت في رفع منسوب قيمتها ومكانتها، فهي قد أدركت أهمية وخطورة الرمز والنجم في التأثير على صناعة حاضرها ومستقبلها، ولأنها أيقنت بأن النماذج الإنسانية الملهمة تُشكل أحد أهم معالم ثقافتها وحضارتها. هناك الكثير من الدول في كل أنحاء العالم، لا تملك نصيباً من الثروات والإمكانيات المادية، ولكنها تحظى بشهرة واسعة ومكانة عالية نتيجة الأسماء والرموز التي تمتلئ بها خزائنها البشرية. نعم، الرمز في هذه الفترة من عمر العالم، بل وفي كل الفترات، قد يكون أحد أهم المصادر التي ترسم معالم الفخر وتُحدد أدوات الفخر، تماماً كما كان يحدث في القبائل العربية التي تضع شاعرها الفحل أو خطيبها المفوه في صدارة مجلسها ومقدمة فخرها.

ولعل الوقوف على السجل العربي المكتنز والمزدحم بالرموز والنماذج العربية، القديم والحديث، يُثير الفخر ويصنع البهجة، فهو يغص بالملهمين والمميزين والنابغين في مختلف التخصصات والفنون، كما أن الحضارة العربية أسهمت وبشكل كبير في تشكيل وتنوير وتطوير العالم بأسره، خاصة في الفترات المظلمة التي مرت بها الحضارة الغربية والتي امتدت لقرون طويلة، تلك العصور التي عُرفت بعصور الظلام والجهل والتخلف والوحشية.

صناعة النجم والأيقونة، صناعة رائدة ورائعة، تستحق التوطين والتشجيع، لأنها أثبتت جدواها وتأثيرها. فقط، أن تُصنع بذكاء وموضوعية، لتكون القوى الناعمة الجذّابة والأذرع الإنسانية المؤثرة. صناعة الرمز والأيقونة، منظومة صناعية قائمة بذاتها، تُحقق ما لا يمكن تحقيقه بمختلف ودرجات الوسائل والطرق الأخرى التي تجاوزها الزمن.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني