الكتابة: أسئلة أم إجابات؟

قبل عشر سنوات تقريباً، كتبت على صدر هذه الصحيفة الغرّاء التي أفخر بالانتماء لها باعتبارها المؤسسة الصحفية الأهم والأبرز على امتداد الوطن العربي، مقالاً بعنوان ”مداءات ومآلات الكتابة.. الأسئلة الخمسة“. وتُعدّ الكتابة، كوظيفة ومشروع، واحداً من أكثر الأشكال والمدارس تغيراً وتجدداً، فهي قد بدأت بالنقش على الألواح الطينية لتصل اليوم إلى النسخة الأحدث من الكتابة وهي اللمس على الألواح الإلكترونية. تلك هي حكاية/مسيرة الكتابة حتى الآن، ولن يقف الأمر عند ذلك، فالتطور والدهشة في طرق الكتابة لا تنتهي على الإطلاق.

في ذلك المقال، ذكرت بشيء من التفصيل والإسهاب، قيمة وأهمية الكتابة، باعتبارها رحلة مشوقة في زوايا وخبايا وثنايا المكان والزمان والإنسان، وهي من تضع علامات الاستفهام بلون أحمر قان، وتُثبّت إيقاعات التعجب بتمتمات الدهشة والذهول. الكتابة، دائرة لا تتوقف ولا تهدأ من الأسئلة المثيرة التي تعشق الانفلات من سطوة الحدود، بل تتكاثر وتتضخم وتتعملق، ولكنها سرعان ما تتشظى إلى قطع صغيرة جداً من الحيرة والشك والقلق.

بالنسبة لي، وبعد كل تلك السنوات الطويلة من ”الاشتغال“ بالكتابة، آمنت برسالتها الخاتمة التي تدق نواقيس التأثير وتقرع أجراس التحذير وترفع أصوات التغيير. لقد أدركت باكراً، مدى خطورة الكتابة على واقع المجتمع بكل أفراده ومكوناته ونخبه، لأنها ليست مجرد تسطير أو تحبير لبعض الأفكار والرؤى والقناعات، بل هي أداة مؤثرة جداً تُصيغ وتُشكّل وتُكوّن العقل والفكر والمزاج الإنساني.

وأسئلة الكتابة، كثيرة ومثيرة، لا تنتهي أو تختفي، بل تتمدد وتتجدد. بعضها يبحث عن إجابات، وبعضها الآخر تفضحها العبارات، وهناك الكثير الكثير من أشكال ومستويات الأسئلة التي تُبشّر بها الكتابة منذ عصر الإنسان الأول وحتى عصرنا الراهن.

وقد مرّت الكتابة بالكثير من الأدوار والوظائف خلال كل تلك القرون الطويلة التي استطاعت أن تكون فيها الكتابة لغة الحياة وعنوان التطور. نعم، قد يكون التعبير عن خوالج النفس وطموحات الروح ورغبات التغيير، هي الأهم والأعلى والأدهش في تحولات الكتابة، ولكنها أيضاً تمتلك الكثير من الأدوار والأساليب والأشكال الأخرى، لعل أهمها على الإطلاق هذه الوسيلة التقليدية التي استمرّت ومازالت وهي أن الكتابة وسيلة أثيرة لتواصل ولقاء وتفاعل المجتمعات والشعوب والأمم وطريقة أمينة لنقل الأفكار والعلوم والمعارف للثقافات والحضارات واللغات.

المقال المقبل، سيحاول رصد وكتابة الأسئلة المثيرة والمعقدة للكتابة.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني