القراءة وحدود الزمان والمكان
يمكن أن يعيش الإنسان سبعين عامًا في مكان واحد ويتعرف على كل ما يحيط به، لكنه لا يعلم شيئًا عما في خارجه، حينما لا يقرأ، أو يعرفه لكن ليس بالعمق المطلوب، لكنه حين يقرأ فإنه يمكن أن يبحر في الماضي السحيق إلى مئات بل إلى آلاف السنين، عندما يقرأ الكتب التي أُلفت في تلك الحقب. فيستطيع أن يتعرف على جغرافيتها وتاريخها وشخصياتها الخالدة، كما أنه يستطيع أن يحلق في آفاق المستقبل عند قراءة روايات الخيال العلمي أو الكتب التي تستشرف المستقبل عبر معطيات الحاضر.
قد تنتقل بك الكتب بصفحاتها إلى بلدان لم تزرها، وقد لا تزورها أبدًا، بوصفٍ قد لا يعلمه حتى ساكنوها، فتعبر وسط غاباتها، وتمخر عباب البحار مع بحارتها، وقد تصعد الجبال وتهبط في السهول مع كتّابها.
تنتقل بك القراءة من بلد لآخر آلاف الأميال، كاسرة جدار الفصول الأربعة في يوم واحد، بل في ساعة واحدة. تستطيع أن تتعرف على أدق تفاصيلها دون أن تبرح مكانك، وتتذوق أطعمة العالم دون أن تضع أيًّا منها في فِيك، كما تشم روائحها دون أن تقربها إلى أنفك، وهو ما عبر عنه غاليانو، مؤرخ القراءة، حين قال: أنا لا أطلب منك أن تصف المطر، أنا أطلب منك أن تجعلني أتبلل.
كل هذا قد يحصل في لحظات يشعر خلالها القارئ بسمو المشاعر، ما هو محروم منها من لم يدن من عالم الكتب؛ ففي عالم القراءة لا حدود للزمان والمكان.
* القراءة هي أن تذهب بعقلك ومشاعرك خارج حدود المكان والزمان. مصطفى محمود