عطاءات مجالس عاشوراء
تتنوع العطاءات والهبات التي يمكن لكل فرد بحسب عمره وعقله وجنسه أن يستل من ثمرات هذه المجالس وذلك راجع إلى النضج الذي يتحلى به الإنسان.
فبعض هذه العطاءات لا تتعدى الجانب المادي من أصناف المأكول والمشروب الذي يوزع داخل هذه المجالس، وهي بحد ذاتها بركة كبيرة لا يمكن أن يستغني عنها الجميع.
هذه المجالس هي وقود فكري وعاطفي وروحي لا يمكن لأي فرد من أفراد المجتمع أن يتخلى عنها أو يبتعد عنها بالرغم من الظروف المختلفة التي مرت بهذه المجالس منذ زمن النبي وإلى عصرنا الحاضر باختلاف مستوى التفاعل في المجتمعات المختلفة.
وحيث أنها تاريخيا تضيق وتتسع بحسب الظروف، ولكنها سرعان ما تنفرج وتعود إلى أكبر من سابقتها وهي استجابة لتلك الصرخة المدوية من عقيلة الطالبيين زينب بنت علي ”فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا“
فبنظرة قريبة أو بعيدة سيجد المتأمل والباحث أن مجالس الحسين مرت بتلك الظروف العصيبة، وما حال العراق في زمن البعث عنا ببعيد، حيث حاولت طغمة البعث بكل قواها تحجيم ذكر الحسين ومجالس الحسين، وجثت على صدور العراقيين ما يقارب الأربعين سنة، لكنها سرعان ما تحولت إلى أمواج من الزائرين والمجالس التي تمتد في زيارة الأربعين من الفاو أقصى الجنوب العراقي إلى كربلاء في مشهد درامي قل نظيره في هذا الزمن من العطاء والتفاعل في قضية الحسين .
وما هذا إلا شاهد في هذا العصر، وإلا لو تتبع الباحث لوجد أن كل من وقف في وجه الحسين ومجالسه كان مآله إلى الخسران في الدنيا والآخرة.
أما على مستوى العطاء للأفراد،؛ كذلك سنجد أنه له ثمرات لا تنحصر في جانب واحد فنفس التواجد في المجالس بالحضور له آثار عظيمة، وهو ما نستلهمه من كلمات أهل البيت : يا فضيل، تجلسون وتتحدثون قال: نعم جعلت فداك قال: إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا يا فضيل رحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.
فنفس الجلوس والتواجد الجماهيري بحد ذاته بركة وأمر عظيم حث عليه الشرع الشريف، ولا يمكن للمتابعة عبر البث المباشر أن تعطي تلك الثمرات المرجوة، بل فيها دلالة على أن نفس التواجد له ثواب من نوع خاص، ربما لا يستطيع المؤمن أن يكتشف سره كما في الكثير من العبادات التي أمرنا بها الشارع المقدس.
وبغض النظر عن وجود بعض المبررات أو حصول بعض الآثار الخارجية كالاستفادة من المادة العلمية المطروحة، والتي تعطي زخما إضافيًا وعطاءً من نوع آخر.
ومن الآثار التربوية لتلك المجالس أنها تحط الذنوب العظام كما في رواية الإمام الرضا ”إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون؛ فإن البكاء يحط الذنوب العظام“
وهي فرصة للخلوة بالنفس وحصول الكرامات والتجليات؛ فقد ذكر علماء العرفان أن عاشوراء هي الطريق الأسرع والأقرب للحصول على الجذبات الروحية والأنوار المعرفية؛ وذلك بالتأسي بالإمام الحسين وهو في أعظم حالاته حيث كان يعيش التوحيد والمناجاة؛ فالدم يفور منه وكله جراح وآلام، وهو في قمة المناجاة ”إلهي... رضاً بقضائك، وتسليما لأمرك لا معبود سواك“
فعاشوراء ليست لطبقة دون أخرى، فهي للجميع سواءً المؤمن المُخلص، والعاصي والفاسق، تجدهم يلهثون بذكر الحسين ، وهي استجابة لنداء النبي في قوله ”إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابداً“
هذه الحرارة يمكن للجميع أن يحولوها من المخزون النظري، والتفاعل العاطفي، إلى حركة في الحياة، كوقود له؛ فالإنسان يحتاج لمثل هذا الوقود ليشعل به الثقافة والفكر والتأمل، وليس بدعاً أن نجد تأثر الأحرار في العالم بحركة الإمام الحسين ؛ فغاندي والفاتيكان وغيرهم ممن تأثروا بسيرة الإمام الحسين وجعلوها مدرسة لهم.
ونحن أتباعه أولى بذلك التأثر والتغيير، إضافة إلى أن إقامة المجالس فيها مجالٌ واسعٌ للتفاعل الفردي والجماعي، فاستذكار مصيبة أهل البيت تعطي دوراً مهما في بناء الفرد والمجتمع بالبناء الهادف لتصبح بذلك المجالس بابًا من أبواب تخليد قضية الإمام الحسين .
وربما يستغرب البعض إذا ما قيل أن ذكر أهل البيت فيه شفاء من الأمراض والأعراض التي يبتلى بها بسبب البعد عن الدين والأجواء الدينية؛ فها هي الروايات تخبرنا عن صادق أهل البيت :
”يا داود أبلغ مواليّ عني السلام، وأني أقول: رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا“
وتفضل مولانا أمير المؤمنين بقوله: ”ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والأسقام ووسواس الريب، وحبنا رضى الرب تبارك وتعالى“.
كل ذلك يحتم علينا أن نسعى لإحياء مجالسهم على الوجه الذي فيه صلاح لنا جميعاً، وعلينا أن نتحلى بجملة من الآداب التي حث عليها العلماء حين حضور مجالس الذكر، ومنها:
1 - الحضور قربة لله تعالى بنية خالصة «يستلزم حالة الطهارة».
2 - الحرص على تعلّم آداب الحضور، وتطبيقها بمستوى أفضل من المواسم السابقة، والحرص على نشر تلك الآداب بين الناس.
3 - تنظيم الوقت والأعمال قدر الإمكان، بحيث يكون لديك الوقت الكافي للحضور مع تركيز الحضور العقلي والقلبي.
4 - مهما أمكن، لا تكن مجهدًا متعبًا مرهقًا قبل الحضور، لأنّ الإجهاد والتعب والإرهاق يقلل من حضور القلب والتركيز والتفاعل.
5 - أبقِ الطرق والشوارع مفتوحة سالكة.
6 - لا تغلق كراجات الناس بسيارتك.
7 - ارتداء ملابس مناسبة، وهيئة محترمة ومناسبة للحزن.
8 - تعاون مع الكوادر القائمين على المجلس، وامتثل لتوجيهاتهم، حتى ولو كانوا أصغر سنًا منك.
9 - إذا أزعجتك درجة التكييف، فقم بتغيير مكانك، ولا تعبث بأجهزة التكييف بنفسك.
10 - توقير الكبار، وإجلاسهم في المكان المناسب. روي عن الإمام الصادق : «ليس منا من لم يوّقر كبيرنا، ولم يرحم صغيرنا».
11 - مراعاة حال المرضى وذوي الهمم، وتقديم المساعدة لهم.
12 - اصطحاب الصغار إلى المجلس، ومراقبتهم بلطف وعناية، وعدم تركهم يلعبون ويضحكون ويشغلون الآخرين.
13 - تطويل البال مع أطفال الآخرين عند إزعاجهم، وتوجيههم بلطف، والحذر من ضربهم أو طردهم بقسوة.
14 - وضع الجوال على الصامت أو وضع الطيران.
15 - عدم الانشغال بالجوال أثناء المجلس.
16 - الاستماع والإنصات للمحاضرة.
17 - أثناء قراءة المصيبة: إن لم تبك، فتباك، وساهم بالوّنة والصرخة في مصاب الحسين.
18 - اغتنام وقت استجابة الدعاء بعد البكاء على سيد الشهداء.
19 - المحافظة على نظافة المكان، لا سيما بعد المجلس وقبل الخروج.
20 - إذا فتحت قنينة ماء، فاشربها كاملة، أو خذها معك.
21 - خذ من الطعام بمقدار ما تحتاجه فقط، واجتنب الإسراف والتبذير.
22 - شارك في العزاء واللطم، ولا تكن مجرد متفرّج.