عاشوراء.. والسرّ الأعظم

محاضرات عاشوراء 1446 المحاضرة الأولى

الغاية الأسمى من عاشوراء

قد يحتار البعض من المفكرين عن فهم الغاية الأسمى من عاشوراء، ولماذا قدّم الإمام الحسين كل هذه التضحيات العظيمة، وبتفاصيلها الشجاعة والمؤلمة في آنٍ معن. ولعل هناك الكثير من الخيارات كانت أمام الإمام غير التضحية، فلماذا اختار هذه المواجهة، وماهي الفوائد العظيمة لهذه المعركة على الإنسانية جمعاء. وإذا كان هدف الإمام الحسين الاستشهاد منذ بداية تحرّكه، وأعلانه بهذا الهدف، فماهي الجوانب العرفانية من هذه الحركة وهذا الاستشهاد. ما هو السرّ الأعظم لعاشوراء.

عاشوراء.. ميقات للقاء الله

إن الغاية الأسمى لعاشوراء هي لقاء الله، ومعرفة الله، وإشراق نور الأسماء في قلب الإنسان المؤمن. فعاشوراء تختصر حياة الإنسان في هذه الدنيا بأيام وساعات قليلة، ولكن فيها الخير الكثير. إن غاية وجود الإنسان في هذه الحياة هو ذكر الله، أو بمعنى آخر معرفة الله. وليس المقصود المعرفة العقلية، ولا الذكر اللساني، بل المعرفة القلبية، وإشراق النور، وتسبيح لسان القلب، الذي لا يغفل عن الذكر «رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله».

يقول المولى عز وجلّ «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، وكما في رواية عن الإمام الحسين بأن المقصود ”إلا ليعرفون“، فلما عرفوه عبدوه. فالعبادة نتيجة طبيعية لتحقق المعرفة القلبية. فإذا كانت غاية وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا هي إشراق نور الأسماء والصفات في قلبه، فعاشوراء هي ميقات لهذا الإشراق. فميقات عاشوراء يختصر الكثير من سنوات العبادة والجدّ والاجتهاد لإشراق النور.

السرّ المكنون

فغاية عاشوراء هو إشراق نور الأسماء والصفات في قلوب المؤمنين، وهي بوابة وميقات من الملكوت لنزول هذا النور وإشراقه وظهور الفيض الأعظم على عالم الملك، وعالم الدنيا. وهذا الفيض الأعظم لم يستطع تحمّله الأنبياء العظام من أولى العزم مثل الكليم موسى . وإذا كان الجبل الأشمّ لم يتحمّل هذا التجلّي والفيض، ففي هذه القصة رمزية أن عالم الدنيا لا يمكن أن يتحمّل هذا الفبض والإشراق. ولا يوجد واسطة من مخلوق أو غيره لتحمّل هذا الفيض، ليكون مرآة الإشراق والظهور إلا الخمسة أهل الكساء. وكان الإمام الحسين هو مرآة التجلّي الذي لم يتحمّله لا الكليم والا الجبل العظيم.

الجانب العرفاني لعاشوراء

للعبادات جانب مادي مرتبط بعالم الدنيا وعالم الملك، وجانب عرفاني نوراني مرتبط بعالم الملكوت. فللصلاة مثلاً صورة مرتبطة بعالم الملك من سجود وركوع وقراءات. وصورة ملكوتية نورانية مرتبطة بعالم الملك. وكذلك الحج له صورة مادية من رمي للجمرات والسعي بين الصفا والمروة وطواف حول البيت، وكذلك هناك بعد وجانب ملكوتي عرفاني لهذه الأعمال. وإن القيمة الحقيقية للعبادات هو بتحصيل الجانب العرفاني، والذي ينعكس بالنور على قلب الإنسان السالك.

كذالك فإن لمعركة عاشوراء جانب عرفاني نوراني ملكوتي، خلف ما هو ظاهر من بعد عسكري مادي للمعركة، وهذا ما يخلّد معركة عاشوراء ويجعلها مختلفة عن جميع المعارك والمصائب السابقة واللاحقة. وإنّ اختزال معركة عاشوراء في بعدها المادي، أو اختزال شعائر عاشوراء من لطم وبكاء وإحياء وزيارة وغيرها في بعدها المادي فقط، هو كاختزال الحجّ في بعده المادي وتجريده من بعده العرفاني. فالذي لا يجد النور في الوقوف بعرفة أو السعي بين الصفا والمروة، فإنه قد يستهجن هذه الأفعال. وكذلك فإن الذي لا يدرك الجانب النوراني للقرآن الكريم، يظن أنه مجرّد قصص الأولين.

وما يؤكّد الجانب العرفاني لعاشوراء هو كلمة الإمام الحسين «من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح». فمعركة عاشوراء هي معركة عرفانية أكثر منها عسكرية مادية. فالإمام الحسين خرج للشهادة والإنتصار المعنوي والفتح العرفاني الكبير، وليس للإنتصار العسكري المادي. وهذا لا يعني أن للمعركة بعد عسكري وانتصار عسكري بإشعال الثورات وإلهام الأحرار عبر التاريخ، لإظهار الحق على الباطل. ولكن نحن هنا سوف نركز على الجانب العرفاني لعاشوراء.