كيف أصبحتُ جدًا؟

يبدو أن الزمن هو أظرف وأخطر لص يمكن أن تواجهه في هذه الحياة المزدحمة باللصوص وقطاع الأمل، فهو كعادته المفضلة يتسلل بهدوء وخفة إلى أرواحنا الغافلة ليسرق بدهاء وذكاء أعمارنا، بل وفي كثير من الأحيان لا يتورع عن سرقة أحلامنا.

في هذه الحياة التي بالكاد نعرفها، تبدأ حكايتنا المثيرة التي تصنعها البدايات العاشقة للطفولة والبراءة والتي سرعان ما تتوق إلى مصاف الرجولة والصرامة، فتكبر الأحلام والطموحات في عقولنا وقلوبنا، وتشتد الأمنيات والرغبات في أفكارنا وآرائنا، يحدث كل ذلك بسرعة وذهول، تماماً كما لو أنها كانت مجرد لحظات مرت بسرعة فائقة من دروب الحياة. بداية خجولة وبسيطة، كما هو حال كل البدايات، مروراً برغبات لا تنتهي وأمنيات لا حدود لها، لنستقر بعد كل ذلك الركض والشغف، في شاطئ الحنين والأمل. هكذا هي ”دورة الحياة“، متلازمة عجيبة، تبدأ بشغف لصعود الزمن، ثم رغبة جامحة للعودة للبدايات الأولى التي شهدت دهشة الأيام وفتنة الأحلام.

مازلت أذكر جيداً اللحظات الأولى التي حملت فيها بين ذراعي وصدري تلك المولودة الجميلة برائحتها الزكية وابتسامتها الملائكية، كان ذلك قبل 26 عاماً، يا إلهي كيف مرت كل تلك السنين وكأنها رمشة عين، لتتجدد هذه الذكرى ويُكتب نفس المشهد مرة أخرى، فأحمل ”عبدالعزيز“ حفيدي الأول من تلك ال ”زهراء“ التي تُعطّر حديقة قلبي.

ما الذي فعلته بك يا زهرتي لتجعليني جداً وأنا الذي بالكاد تعلمت كيف أكون أباً؟ لا أعرف الفرق بين الوظيفتين / التجربتين فأنا حديث عهد برتبة الجد، ولكنني أعيش مشاعر مختلطة وأحاسيس مختلفة لم أعرفها من قبل، بل لست قادرا على وصفها، رغم أنني كنت أظن - وهنا كل الظن إثم - أن الكتابة حرفتي الأثيرة التي أتقنها منذ ربع قرن من الزمن، ولكن الدرس الكبير الذي تعلمته من هذا الطفل / الحفيد الجديد والذي لم يتجاوز عمره العشرة أيام، وهو أن هناك من الأفكار والمواضيع والمواقف التي قد تُفاجئك وتكون عصية على التعبير والكتابة، رغم قربها منك أو تعلقك بها.

أنظر بفرح؛ له نكهة جديدة لم أعهدها من قبل، في وجه هذا الحفيد الجديد الذي يشع جمالاً وبراءة، فتقفز أمام عيني وفكري أسئلة لا تبحث عن إجابات باهتة، بل إلى خيالات محلقة في سماوات التأمل والتفكر وفي فضاءات التخيل والتدبر.

وبعيداً عن مخاتلات الأسئلة وبعيداً عن مآلات الأجوبة، أعترف وأنا الذي أصبحت جداً، أن هذا الحفيد الصغير قد علمني الكثير الكثير.. شكراً لك أيها الحفيد العزيز لأنك منحتني كل هذا الفرح وكل هذه السعادة.

كاتب مهتم بالشأن السياسي والاجتماعي والوطني