العفاف من الداخل
لم تتوقف الأقلام في الدفاع عن مفردة (الحجاب) وخصوصاً بعد أن بدأت الحرب – دون أن تعلن لها نهاية – على كل من ترتدي الحجاب، وفرق بين من تتشبث بالحجاب رغم المخالفات القانونية التي تتلقاها والفاتورة الباهظة التي تدفعها وتتكبدها في دول هي معادية للإسلام وإن غلفت (طنطنتها) بألف وشاح ووشاح، وبين أخرى هي ترتدي الحجاب كعادة لا عبادة، تلبس الحجاب كموظة وديكور يتلون ويتغير كلما تغيرت الأيام والسنون، فهو لا يرتقي إلى مستوى الفاعلية بل يبقى حبيس المفعولية دون نصب !!
إنها العادة التي جرفت الكثير من الفتيات هنا، فهم لا يعرفون حجم المعاناة التي تتكبدها المرأة المحجبة هناك في الخارج، في فرنسا، وتركيا، وغيرها، ولا غرو أن القائمة يراد لها أن تطول.. في تزايد عددي للدول الحاظرة، وكميات متنوعة من الممنوعات المحظورة التي اكتسبناها من جوهر الحضارة الإسلامية ..
الحجاب جاء من أجل ستر (الزينة) وصونها من المساس، أوليست المرأة كلها زينة، فلماذا عمدنا إلى الهدف ووضعناه منكوساً على رأسه، مقلوباً على قفاه، متدلياً للأعلى برجليه طليقاً في الهواء كمهرج بائس لا يعي ما يصنع، ولا يدري ما يفعل، لقد قلبنا الشريعة عاليها سافلها.. وأمطرنا على الحجاب ما تهواه أنفسنا دون مراعاة لأي حرمة، فبدأنا نشاهد الزركشة والتلوين المخجل المسف في العباءات الاستعراضية، تذكرت حينها جدار قريتي الذي أتخذه المراهقون مأرباً؛ لسكب خربشاتهم المجنونة، فلماذا أصبحت العباءة اليوم سبورة طبشورها (الخيط والإبرة) وهل يحل لها أن تكتب كلمات الغرام على : كتفها، وظهرها، وأردافها، ولا أدري أين سيصل الموضع القادم ؟!
كثيرة هي الفتاوى الشرعية الغائبة عن الفتيات في أحسن التقادير، أو قل هو التمرد والانحلال الذي يكشف عن مصيبة تندلع كل يوم في وضح النهار، إنه الاستهتار بقيمة العفاف، والتبعية الرعناء لأعداء الأمة في من يريد أن تكون هجمته تنطلق من المركز لا من الحواف !
حالة المراهقة التي تعيشها البعض من الفتيات، المنجرات خلف ما يسمى ب"الموظة" غافلات عن أولى أبجديات الدين، يكشف عن ضعف التربية والرقابة الأسرية المتمثلة في (الأم) المربية التي تعد هي الرقم الأول في وقوع هذه الكارثة – لكونها تشاهدها وتعرف ما تلبس وإن تخفت عن الأعين -، و(الأب) المسيطر الرقم ثاني في هذه المعادلة المستعصية، لكونه المسؤول عن هذه البنت، وبيده الحكم والقرار، والأقرباء عين ثالثة، والمجتمع عين رابعة، وتتعدد الأعين التي ترمي باللئمة على الأخرى، لنشاهد تراشقاً كروياً لا يقف عند حد .
إننا نلاحظ أن فسيفساء الحجاب اتسعت، حتى أصبح للمنديال طريقاً فيها، فهذه اتخذت شعاراً للأورغواي، وتلك فخورة بما تلبس لكون أن اسبانيا – فريقها المتعصبة له – تربع في الصدارة، ونترقب موظة جديدة تحفل بها هذه العباءة المسكينة، أخشى أن تصل الموظة أن نشاهد صوراً للفنانات والمطربين يقتحمن هذا الحجاب المتهالك، الذي لا يمت للإسلام بأي صلة..
البعض يتحدث عن التجديد، ومشروعية ارتداء الفتاة لما يواكب الزمن، والذي هو مشروع حول ما يسمى ب" المتغيرات، والمتحول في الدين"، إلا أن الموجة لم تقف عند ذلك الحد، بل تعداه ليزكم الأنوف فظاعة، فأصبحت الفتاة تسير كعارضة أزياء، أو كمتبرجة لإعلان صارخ، الألوان التي يقول لها الوجه كفى، تبكي من ثقلها، والشعر الذي تهدل من حجاب يغري أكثر مما يستر، تقول عنه المتحررة: " ذهبوا بها عريضة !! ".
المشكلة الحقيقة، هي أننا علمنا " البنت " لبس العباءة القديمة منذ نعومة الأظفار، ونسينا أن نعلمها حقيقة العفاف المرتبط بالجوانح، فغطاء الجارحة الذي لا يخرج من قناعة الجانحة والقلب، لن يدوم كثيراً، وسيطير لأدنى هبة ريح، تحكي لي أحدى الأخوات الفاضلات المغتربات : " هناك من الفتيات من يلبسن اللبس الرياضي دون حجاب في فصل الشتاء ! "، فقلت – في نفسي - : واعجباً فماذا سيفعلن في الصيف؟!، كانت الإجابة خلاف ما توقعت، إذ قالت : " أما في الصيف فيلبسن الحجاب والعباءة أيضاً، لكون أن الأهل يتصيفون معها هناك !! " إنها القناعة الخاوية بالحجاب، إنه الحجاب من الخارج وفي وجود الرقيب، أما إذا غاب المحاسب والحسيب، فإن التعري سيكون هو المألوف والسائد..
إننا بحاجة لتعليم العفاف بقناعة ومن الداخل، قبل أن تلبس الفتاة حجابها، يجب أن يفتح لها المجال للمحاورة، أما الطريقة التلقينية والفرضية وبالعصا الغليظة بان فشله، فبمجرد أن ترتفع الضغوط، فإن الحجاب يطير كما يطير الرماد .
لا مجال هنا لأن أتحدث عن لقطة محزنة لفتاة عصرية كانت متبرجة بمحضر الوالدين، كان المضحك في تلك اللمة أن أمها متنقبة، أما ابنتها التي تقترب من العشرين، لا تزال في نظرهم صغيرة – على ما يبدو - فضلاً عن كونها امرأة قادرة على الإنجاب !