اختطاف النساء ! أسباب وحلول

الأستاذ / فوزي صادق *

إن ظاهرة اختطاف النساء وخاصة الفتيات حديثة على مجتمعنا، حيث تحولت من حالات نادرة وشاذة في الثمانينات إلي ظاهرة متفشية في مدن المملكة منذ العام 2000 ميلادي، أي قبل عشر سنوات تقريباً، ويعود ذلك إلي عدة أسباب جذرية ( أولية ) ساعدت في ولادتها وغرسها في مجتمعنا المحافظ، ومن ثم تفرعت إلي أسباب ( ثانوية ) مساعدة. في بحثنا هذا سنناقش الأسباب والنتائج والحلول المقترحة :
أولاً الأسباب :

أ‌- أسباب جذرية ( أولية ) وهي :

• الوازع الديني والأخلاقي :

وهو البعد عن الدين والخلق وأهمها الصلاة ( الروحية ) لا ( الصلاة الجسدية )، وسميت بالصلاة لأنها تصل بين روح العبد و خالقه، فوجود الصلاة وجود ( للحصن ) الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، فكلما أبتعد الإنسان عن ربه انقطعت وسيلة الصلة ( السلسلة ) التي توصله بربه، فيزداد ابتعاده عن جادة الحق، وقربه نحو طريق الشر، وهذا صراع قديم مع بداية خلق الإنسان ، و هو الأساس في بناء الروح الآدمية والذات الأخلاقية التي بعث ليربيها ويحصنها ويكمل أخلاقها النبي العظيم محمد بن عبدالله ( صلى الله عليه وآله وصحبه الكرام ) ، لأن النفس واقعة بين صراعين ونزعتين ( الخير والشر ) في ميزان الحياة، فأما زيادة في الدين والخلق ورجحان كفة الخير، أو زيادة في سهام الشيطان والإغواء، ورجحان كفة الشر.

• التربية :

التربية ببساطة تعني ( أزرع تحصد ) فلتربية الدور الأهم في نشأت الطفل ، فكلما أهتممنا بأطفالنا وغرسناهم في مجتمع خصب ونظيف، حصدنا جيل ناجح ونافع ( يؤتى أكله )، وخاصة في سن التحول الخطير( المراهقة ) وهي الأهم في حياة الحصاد ، فدور الآباء والأمهات مهم وحساس في تلك المرحلة المصيرية، وهي احتواء الأبناء وعدم تركهم لتربية الشارع وأصدقاء السوء، ففيها يحدد الطريق الذي سيسلكه الشاب، وفيها تفتح أمامه الأبواب  الجيدة منها والسيئة، فصلاح الشاب صلاح للمجتمع، ودور الأب هنا لا يقتصر على النفقة وحمل أسم الأبوة على الوثائق فقط، وكذلك الأم التي تحمل تكليف أعظم وأهم من قضية حمل وولادة وطبخ وغسيل ! بل كلاً من الوالدين يحمل أدوار ومسؤوليات مهمة، وأهمها الإعداد للحياة الجديدة التي سيواجهها ابنهم، وأهم تلك الإعدادات، زرع الخلق الجيد والسلوك الحسن والثقة في النفس، وفي الأخير يأتي دور المراقبة.

 فالشاب يسعد بوجود من يهتم به، ويشعر بأنه إنسان مهم وله دور في تكوين تلك الأسرة ، وخاصة عندما يعتمد عليه في أداء بعض المهام، وهذا ضروري لشغله وإعطائه نوع من الوجود، وخاصة أثناء المراهقة،  فهو هنا ( أي الشاب ) يريد أن يثبت وجوده ( أنا موجود) ، لأنه يحمل طاقات هائجة وثوران بركاني من التحفيز التفاعي، فعلى الوالدين بذل جهد أكبر لمعرفة ماهي أفضل الطرق والقنوات التي توصلهم ( لكيفية التعامل ) مع أبنهم المراهق أو أبنتهم  ( شاب كان أو فتاة ) ، ومعرفة من يصاحب في الشارع والمدرسة، وماذا يشاهد في التلفاز والكمبيوتر والجوال وباقي الأجهزة الحديثة المصاحبة لتحركاته، وعدم الإهمال وترك الحبل على الغارب ، فبإهمالهما سيفقدان فلذة كبديهما وسيتركانه في فم الشيطان، وحتى في حالة انفصالهما ( الوالدين )، يجب رعايته بتوزيع الأدوار بينهما والتنسيق مع الأقرباء ذوي الشأن لمراقبته من بعد.

• الثقافة الفكرية :

الثقافة الفكرية تعني الهيمنة الروحية ، أو الهواء الفكري ( الجنسي الجديد ) الذي يتنفسه ويدمنه شباب جيل هذا اليوم ، وكل جيل  يواجه ثقافة فكرية مختلفة عمن سبقه أو ممن سيأتي بعده ، وعادة الثقافة ( الغريزية الجنسية ) تدخل العقول والبيوت بطرق سهلة ومباركة من المجتمع بطرق غير مباشرة ! والمصيبة العظمى أن تلك الثقافات تحمل دسائس وسموم صعب محاكاتها والتحكم فيها، ولو نظرنا وقارنا بين الجيل الحالي والجيل السابق لوجدنا فرقا جليا بينهم، وأن الجيل السابق كان يتلقى معظم تلك الثقافات ( الجنسية ) عبر الورق كالمجلات والصور، وكان التحكم بها سهلاً، أما الآن فالجلل أعظم، فتحولت طرق نقل تلك الثقافات إلي وسائل شفافة وسريعة وواضحة بشكل حي مباشر وفي متناول الجميع، كتلفاز الستلايت والموبايل والأنترنت وغيرها التي غزت عالمنا مجانا ! والأهم في كل هذا أن طرق التحكم بها أصبح شبه مستحيل، وبقي ضمير الإنسان ونزعة الخير فيه هي المسيطر في الأمر.
 

• البطالة والفراغ :

البطالة مشكلة الشعوب وترياق الشيطان للشباب، فالبطالة تخلق أرضية من الفراغ الكبير الذي يحتار صاحبه في كيفية ملئه، وعندها تحدث فجوة بين العقل والإبداع، فلا تفكير أو أنتاج يفيد المجتمع، ويسيطر مكانه الخمول والكسل المميت الذي يقتل صاحبه.

وعلاج البطالة تحتاج إلي تدبير وتنسيق بين منظمي ومديري المجتمع ( الحكومات والمؤسسات ) وأعضائه ( أي الشعوب ) ، وهذا يحتاج جهد وزمن كي يتم إحلال الفراغ وشغله بالعمل والمشاركة وخلق الوظائف .

ب – أسباب فرعية ( ثانوية ) وهي :
 

• إغراءات  حواء :

حواء عضو شريك بالنصف مع آدم في المجتمع، وإغراءاتها تثير آدم وتعرقل تحركاته ، وخاصة في الطرق الشيطانية، والأهم في ذلك إنه تسقطه في طرق الأهواء ودروب الشيطان، فأستعراضاتها تثيره وتجعله يحارب كي يقع في دغدغة عواطفه كي يسعد ويأنس بها بطرق الحرام ، وأعني هنا أن آدم ( أي الشاب ) يريد أن يتذوق حواء شريكته ولو بالحرام إذا لم يستطيع الحصول عليها بطرق الحلال ( أي بالزواج ) ، فيضطر إلي التحايل عليها باصطيادها أو لو أضطر الأمر إلي خطفها بالقوة، فظهور الفتيات في الشوارع بزينتهن يغري الشباب المحترق ، فيحاول الشاب إلي خلق طرق ومنها ( مجموعة شباب ) تخطط إلي خطف الفتيات أو النساء للفتك بهن وأغتصابهن.

• المؤسسات التربوية وسياسة الاحتواء:

للمؤسسات التربوية دور قوي ومهم في تهذيب سلوك أبناء المجتمع، فالمؤسسات التعليمية والتربوية تحتوي الشاب منذ طفولته ، ونشر ثقافة الخير في سلوك الأبناء ( الطلبة من الصغر ) تحتاج إلي دراسة نوعية المواد والدروس الجيدة والمناسبة لسن كل جيل ، ففي بعض الدول الغربية والأسيوية ، ولنأخذ مثلاً هنا ماليزيا واليابان ، ففي تلك الدول يتم تعليم الشباب عن مخاطر الجنس مبكراً وكيف خطرها على المجتمع ، وأن طرق الرذيلة تهتك بالفرد وترميه على حافة الهوى، وأن هلاك الفرد هلاك للمجتمع، وكذلك دور العلماء والخطباء وأئمة المساجد في توعية ونصح الشباب، وحثهم على التمسك بالدين والابتعاد عن خطوات الشيطان  وطرق الرذيلة .

• الدور الأمني:

الدور الأمني مهم جداً في التحكم  بالفساد وطرق الشيطان التي تهتك بالشباب، وأعني هنا أن يكون الجهاز الأمني بالدولة ملم بكافة الطرق التي يستعملها المستعمر الفكري الدخيل علينا وكيفية محاربته والتحكم فيه ، وطرق علاجه بالوسائل الرادعة، وان تكون التوعية الضرورية للشباب قبل الردع والجزاء، فكثير من رجال الأمن يأخذون الأمر ببساطة في بعض المناطق التي تتفشى فيها الرذيلة، وأن يحتوى الشباب ويساعد كي يتخلص من تلك السموم الهدامة، كالمخدرات والمسكرات الهدامة ، فإذا حوربت ومنعت بشتى الوسائل ومنع أنتشارها بين الشباب، سيهل الأمر نوعاً ما، لأن كثير من الشباب عل حسب دراستي يضطر إلي عمل المستحيل كي يحصل على مبلغ ما كي ينال على المخدرات ، ومنها طريقة خطف بعض النساء كي يتم الحصول على المال مقابل سرقتهن أو وضعهن كرهائن .

والآن سنناقش الأسباب الجذرية :

بنظرة شمولية لموضوع خطف الفتيات والنساء في المجتمع، أكتشفت جلياً أن معظمها تتم أولاً من أجل غريزة الجنس التي يحاول الشاب المشحون فكرياً مما شاهده من عدة وسائل حديثة، إلي إطفاء غريزته الجياشة والمنفجرة، وخاصة أن طرق الزواج أصبحت صعبة وعائق صلب أمامهم، كغلاء المهور وقلة الوظائف التي تعرض أمام الشباب.

فكثير من الشباب منغمس في مشاهدة الأجساد المثيرة لحواء والتي تعرض مجاناً وبوفرة في التفاز الستلايتي، فكثير من الأفلام والبرامج الموجودة أمامنا هذه الأيام تعرض حواء كسلعة رخيصة يسهل الحصول عليها، وطرق الحصول عليها متوفرة ومخططة مسبقاً ،فما على الشباب إلا تكوين عصابة تشابه تلك الموجودة بالفلم المعروض ، والمصيبة أن بعض تلك الخطط جهنمية لا تخطر على بال، ولنأخذ هنا مثلاً مما عاصرته في مجتمعنا، فأتذكر قصة حصلت عليها من مصادري ، وهي أن عصابة أرادت أن تحصل على المال بطريقة رهن فتاة ما ، فتم تقليد الفكرة عن طريق فلم تم مشاهدته أمام تلك العصابة كي يتم تطبيقها بحذافيرها، وهي أن تقوم العصابة بالحصول على سيارة فان عائلية وتحتاج العملية إلي سائق منهم وشابين، فيظهر الشابان بالخلف بشكل سيدتين بعباءتهن، وتقف السيارة أمام مشغل نسائي ، ففتح الباب أم المشغل التي تقف أمامه فتاة مسكينة تنتظر زوجها أو سائق العائلة كي يرجعها إلي بيتها سالمة، فوقفت السيارة الفان ، وفتح الباب الكبير الخلفي وسقطت منه جزمة تلك السيدة الموجودة في السيارة في الأرض، فطلبت السيدة من الفتاة مساعدتها بالتقاط الجزمة من الأرض وإرجاعها للسيدة ، وبمجرد ركوع الفتاة وفي ثواني معدودة خرج السائق وصاحبه الثاني ودفعا الفتاة داخل السيارة ! فتم تلثيم الفتاة المسكينة واختطافها وأخذ محتوى حقيبتها الخاصة ومن ثم طلب الفدية من أهلها لمدة يومين .

والقصة الثانية مشهورة وتناقلتها وسائل الإعلان لمجموعة هوجاء من الشباب اجتمعوا واتفقوا على خطف فتاة من نفس المنطقة كانت خارجة من منزلها، فتم خطفها وأخذها إلي مكان مهجور وبعيد عن المنطقة السكنية ( أحراش ) فتم اغتصابها بالقوة وهتك عرضها بدم بارد !

فالجنس والمال والمخدرات والتربية والإغراءات والمراقبة الأسرية وضعف بعض وسائل الأمن، كلها أسباب أدت إلي خلق طرق للشياطين، وسهلت على الشباب ودفعتهم إلي طرق الرذيلة ، التي هتكت بالأعراض والقيم التي نسعى إلي الحفاظ عليها، ونحن هنا أمام شباب يتخذ من الأفلام الهدامة بروفة جاهزة ، وفتيات المجتمع هن الضحية، والمصيبة أن الممثلين هم أبناءنا الذين نربيهم ونعلمهم ولا نسأل من هم أقرانهم، فالأب مسئول أمام الله عن رعيته والأم مسئولة عن أبنتها وفلذة كبدها التي تخرج بالشارع بزينتها وبعباءتها التي تبرز مفاتن جسمها الجميل، الذي يغري الشباب الجائع والطائش، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه الكرام.

روائي وباحث اجتماعي