أسياد الجريمة
كم من شخص قضى سنوات من عمره خلف القضبان نتيجة لإستسلامه لهواه ؟
وكم من موظف فقد وظيفته التي تُعد مصدر رزقه وعائلته ، بل ومن يعولهم شرعاً لإستجابته العمياء لنداء رغبتة العارمة ؟
وكم من إنسان طيِّب المعدن انحرفت بوصلته تحت إلحاح شهوته فذهب إلى حيث لم يكن في الحسبان على الإطلاق ؟
وكم من أحمق متهور تسبب في إزهاق أرواح الأبرياء ؟
وكم .. وكم .. وكم .. ؟
نعلم جميعاً أننا أبناء آدم ، وكلنا خطاؤون . قال تعالى : ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ (121) سورة طـه . كما نعلم أيضاً أن الله قد أودع في الإنسان النزوات ، والرغبات ، والشهوات ليختبره ويبتليه . قال تعالى : ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ (2) سورة الإنسان ، وليس بغائب عن وعينا تلك القصص التي أخبرنا بها الباري عز وجل في قرآنه المطهر ، مثل " قصة إمرأة العزيز مع نبي الله يوسف " ع " قال تعالى : ﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنـَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ (30) سورة يوسف ، وأيضاً السلوك المشين الصادر من قوم نبي الله لوط " ع " قال تعالى : ﴿ وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَال يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ (78) سورة هود .
ليس من المعقول أن نسأل الإنسان العصمة ، لأن ذلك خلاف الطبيعة الإنسانية التي تميل حيث مالت النفس وهبّ الهوى " إلاّ ما رحم ربي " ولكن أن يصاب الإنسان بمحض إرادته بالعمى الإنفعالي سواء على مستوى عاطفة الحب ، أو الكراهية ، فإنه لخسران عظيم .
لست هنا بصدد ممارسة دور الواعظ لأنني بحاجة لمن يرشدني حتى الممات ، ولا أجد حرجاً في الإعتراف بذلك ، فقد " هلك من ليس له حكيمٌ يرشده " ومن هنا تأتي أهمية أن يتخذ الإنسان له من بين الناس ممن يثق بهم من يوجهه ويرشده ، بل ويكون له في الحياة رادارٍ إجتماعي يبعث له بإشارات التنبيه والتحذير قبل فوات الأوان ، فيتسنى له تفادي المكروه ، أو التعامل معه بوعي ومسؤولية إن لم يكن بمقدوره تداركه . وهذا ما يسمى في الإستراتيجيات الوقائية على كافة الأصعدة بـ " أجهزة الإنذار المبكر " .
يشعر الإنسان بالأسى والمرارة وهو يعايش القضايا المؤلمة التي تعصف بأمن المجتمع ، ويعضُّ على الناب بلا رحمة وهو يستشرف آفاق المستقبل مع توالي الأحداث التي لم يعهدها من قبل ، وأنا أقدم إعتذاري لك أيها القارئ الكريم على هذه النظرة السوداوية التي باتت تسيطر على معظم الناس لا سيما الذين يكتوون بوعيهم في كل لحظة ، فالبرغم من كثرة المصلين ، وتكاثر الواعظين ، وازدياد سواد من يتّشحون بلباس الدين ، وتناثر أسواق المثقفين ، إلاّ أن أسياد الجريمة في تصاعد ، ويعزز هذا ضياع بوصلة التفكير وسط فوضى الإستقطابات الإجتماعية التي أبطالها هم بعض من تقع عليهم مسؤولية " الإصلاح " بالدرجة الأولى لأنهم القادة الإجتماعيون الذين لا يختلف على دورهم أحد !! أليس كذلك ؟ تحياتي .