قرروا حرق القرآن فماذا قررنا؟
دعا تيري جونز Terry Jones - كتابة و مشافهة- إلى إطلاق حملة عالمية لإحراق القرآن الكريم في الحادي عشر من سبتمبر من السادسة حتى التاسعة صباحاً بدءاً من هذا العام 2010
لاستماع خطابه و المقابلة الشخصية على قناة "سي أن أن" انظرhttp://www.doveworld.org/
تيري جونز مسيحي يحمل لقب "دكتور" ومؤلف كتاب " الإسلام من فعل الشيطان" Islam is of the Devil و القس المدير لكنيسة في فلوريدا قد أسست عام 1985 أو 1986 و أطلق عليها اسم "مركز اليمامة العالمي للتوعية"Dove World Outreach Center
استهداف القرآن و المقدسات ليس جديداً فمن الآيات الشيطانية إلى الرسوم الساخرة بالنبي الكريم إلى نصب القرآن غرضاً للرصاص ثم الآن العزم على تخصيص يوم عالمي لحرقه.
كثير من الأحكام الشرعية تبدو مثيرة للعجب إذا لم تأت في سياقها الكاشف عن الحكمة و تبرير الحكم. فعن النبي أنه نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو. و من الأحكام التي كانت مثار تساؤل عدم جواز بيع المصحف من الكافر بل عدم جواز إعطاؤه الكافر و إن كان في يده وجب أخذه منه (العروة الوثقى). بالتأكيد لا أدعي أن هذه الدعوة من هذا المتطرف هي دليل على سلامة الحكم الشرعي و ضرورته , فقد يكون وراء الحكم ما هو أبعد و أعمق و أدق من إبعاده عن هؤلاء خشية إهانته حرقاً و تلويثاً.
و النيل من كتاب الله العزيز يكون تارة مادياً بتعريض أوراقه للقذارة -كما يفعل المشتغلون بالسحر- أو بحرقه أو ربما بإهماله من قبل بعض المسلمين بجعله معرضاً لعوامل التلف و الكتابة عليه , و قد يتعرض القرآن للإهانة المعنوية بمحاولة التقليل من شأنه و قيمته الروحية و صدق محتواه. أو بتفسيره تأولاً و توجيهاً للمصالح و الهوى.
فما هو الدور و ماهي المسؤولية الملقاة على عاتق من يقدس القرآن و يعظمه؟ هل يكفي القول بأن للقرآن رب يحميه؟ أم أن نصرة الدين واجبة على كل مسلم؟
• فمن الناس من يمر عليه الخبر و كأن شيئاً لا يعنيه و لا يطرف له جفن و أرجو أن لا يكون هذا الصنف موجوداً بيننا.
• و منهم من يتألم ويحزن و ينزعج و يستنكر بالقلب و ربما ينتابه الغضب و الانفعال الشديد و هو أقل و أضعف ما يمكن فعله , و مع ضعفه يكشف عن قوة الإيمان و مكانة القرآن و المقدسات في النفس.
• و منهم من يتحرك على الصعيد الثقافي و الأكاديمي و يحاول رد الاعتبار ببيان فضائل القرآن و نفي التهم الباطلة عنه بإلقاء خطبة أو تأليف كتاب أو تسطير مقالة حول عظمة القرآن.
• و منهم من يقع في المصيدة فيخوض في الدهاس و يخبط في الديماس فيطلق العنان لردود فعله تجاه الإنجيل و الدين المسيحي و المسحيين و يرد على الجميع دون تمييز بين الجاني الحقيقي و الراضي بالجناية و المحايد الذي لا يهمه الأمر و المعتدل و المتعاطف الذي لا يرضى بإهانة مقدسات المسلمين.
• أما البعض فلديه رؤية أخرى ففي العام 2008 ردت كتائب حزب الله - العراق بدك قاعدة الأمن العامة في بغداد ببضع صليات تأديبية حولت المقر إلى كتلة ملتهبة ثأراً و غضباً و انتقاماً لمقدساتها. رؤيتهم قائمة على أن إهانة القرآن بنصبه غرضا لرصاصات الجنود الأمريكيين ليس عملا فردياً قام به عدة من جنود الاحتلال الأمريكي في العراق بل اختبار لقيادات الأمة و ردود فعلها أتصمت أم تنطق؟ و المهم أن البوصلة اتجهت إلى الجاني و المعتدي و ليس إلى جمهور الناس ممن لا علاقة لهم بالأمر.
ولكن ما هو سر الاستفزاز بالحرق و ما هو سر التوقيت؟
أي لماذا يستهدف القرآن حرقاً؟ ولماذا اختار تيري جونز 11 سبتمبر توقيتاً لحملته المزمعة؟
و هل تيري جونز بدع من بقية المناصبين العداء للإسلام مثل دانيال بايبس Daniel Pipes و جيري فالويل Jerry Falwell و بيلي غراهام Billy Graham وغيرهم؟
وهل هي مؤامرة تستهدف تهييج ذوي الدم الحار بعرض القماش الأحمر بغية حصول ردة فعل عنيفة يتم بعدها تشويه السمعة و إيجاد مبررات العدوان على بلاد المسلمين لنهب خيراتها ؟
أم أن نظرية المؤامرة أصبحت شماعة تعلق عليها كل قضايا الدنيا دون رؤية واضحة و تحليل منطقي علمي؟
هل المسيحيون هم من يدعو إلى حرق القرآن؟ أم أن اليهود هم المحرك الحقيقي و اليد التي يجب أن تقطع وأما المسيحيون فليسوا سوى القفاز الظاهر؟ أم أن المسيحيين فئات يختلف بعضها عن بعض؟
تيري جونز يسرد عشرة أسباب رأى أنها كافية لتبرير ما عزم عليه , انظر موقع الكنيسة
http://www.doveworld.org/blog/ten-reasons-to-burn-a-koran
1- أن القرآن ينكر أن المسيح ابن الله.
2- أن القرآن ليس كتاباً من عند الله بل هو من قول البشر.
3- أن القرآن يحتوي على تعاليم عربية و ثنية وهو معقل الشيطان.
4- أن أقدم النصوص التي وصلتنا دونت بعد وفاة النبي محمد ب 120 سنة , و كتب الحديث و السيرة متضاربة.
5- أن حياة و رسالة محمد لا يمكن احترامها. فقد بدأ باحثاً عن الحقيقة في مكة و تلوث بحب السلطة والطموحات الدنيوية في المدينة.
6- النظام الاسلامي شمولي بطبيعته. و هو نظام لا يفصل بين الدين و الدولة.
7- الإسلام لا يتطابق مع الديمقراطية و حقوق الإنسان. فموقفه تجاه المرأة و أنها من الممتلكات الوضيعة للرجل أدى إلى ما لا يحصى من حالات الانتهاك للمرأة.
8- أن المسلم لا يمكنه أن يبدل دينه فالردة عقوبتها الاعدام.
9- أن الخوف غير المبرر و الكراهية للغرب متأصلة في تعاليم الإسلام
10- أن الإسلام هو سلاح للإمبريالية العربية و الاستعمار الإسلامي. وحينما تسنح الفرصة فإن المسيحيين و اليهود و غير المسلمين يتعرضون للإعدام او يجبروا على التحول للإسلام.
غني عن التذكير أن ناقل الكفر ليس بكافر, و إنما قمت بنقل هذه الفقرات من موقع الكنيسة و ترجمتها بغية أن يتعرف القارئ الكريم على منطق عدوه و بالتالي يمكن تحليل الحدث و رسم خارطة القضية بشكل أوضح.
لعل أول ما يلاحظ أن الأسباب يمتزج فيها الديني و السياسي و الثقافي, فبنوة المسيح لله , و علمانية الدولة , و الموقف من الغرب تضعنا أمام منطلقات متعددة لحملته العدائية ضد الإسلام و ليس ضد المسلمين كما يصرح في المقابلة.
ويهمنا بالدرجة الأولى تحديد هوية المنطق بغض النظر عن هذا الفرد تيري جونز الذي لا يشكل سوى جزء ضئيل من أجيال تحارب الله و رسوله وتناصب العداء للدين.
فمن هو مؤسس هذه الكنيسة "مركز اليمامة العالمي للتوعية"؟ و ما هي خلفيته الثقافية؟
هذه الكنيسة أسسها القس دونالد نورثرب Donald Northrup عام 1985 و هو خريج "كلية صهيون للكتاب المقدس" Zion Bible College. http://www.zbc.edu/index2.html, و هو من الإيفانجليكانيين evangelicals المنتمين إلى الطائفة البروتستانتية المسيحية.
و ماالذي تعنيه كل هذه المصطلحات؟ صهيونZion – الكتاب المقدسBible – إيفانجليكانيEvangelical – بروتستانتي Protestant – معمداني جنوبي Sothern Baptist – مسيحي متصهينZion Christian – مسيحي أصوليFundamental Christian – معركة هيرمجدون Armageddon - ؟؟
في الحقيقة أرى من الضروري أن نتعرف على الدين المسيحي و ما جرى عليه من تغييرات عبر الزمن , و ما هي طبيعة العلاقة بين المسحيين و اليهود تاريخياً و في زمننا الحاضر؟
فهل هم أصدقاء متحابون؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾ (51) سورة المائدة
أم أعداء متباغضون ؟
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ (113) سورة البقرة
أم أن المسيحيين يعادون اليهود لأن اليهود متهمون بصلب المسيح ابن مريم ؟
﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ (157) سورة النساء
ما يهمنا بالتأكيد هو التعرف على منشأ الحقد و العدواة , هل أتى من المسيحيين أو من اليهود أم من كليهما؟
وهل الآية ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (82) سورة المائدة , تدل على أن اليهود أعداؤنا و النصارى أوداؤنا؟
أم أن الآية لا تشمل جميع النصارى بل تشير فقط إلى النجاشي و أصحابه أو الذين جاءوا مع جعفر بن أبي طالب إلى الرسول وبكوا بعدما سمعوا القرآن؟
قد ابتعدنا عن موضوعنا الأصلي " ماذا قررنا؟" ولكن لايمكن اتخاذ القرار إلا بعد العلم و المعرفة بحقيقة الجناة و تشخيص الأعداء تشخيصاً مبرءاً للذمة.
إن النظرة الساذجة من قبل بعض الغربيين للمسلمين تضعهم في إطار واحد تحت عنوان واحد "مسلمون" Muslims , و في أحسن الأحوال "الساذجة" يقسم المسلمون إلى شيعة و سنة و "أكراد" ؟!؟!
ولكن ذوي النظرة الفاحصة يعرفون الولاءات والانتماءات داخل المذهب الواحد و الحزب الواحد و الجماعة الواحدة , و إلا فالبديل هو الخوض و الخبط بعينين مغمضتين في ظلام التفاصيل المجهولة.
لو سألنا عن طوائف المذهب المسيحي كم هي و ما هي؟ ربما يأتي الجواب سريعاً أن المسيحيين ينقسمون إلى ثلاث مذاهب "كاثوليك – بروتستانت – أورثوذوكس " Catholic – Protestant – Orthodox , ولكن إذا كنا نجهل الفرق بين المسيحية قبل مارتن لوثرMartin Luther 1483-1546 و المسيحية البروتستانتية التي تلت حركته الإصلاحية, و إذا كنا لا نعرف الفرق بين كنيسة القيامة بالقدس و كنيسة الروم في مدينة الفاتيكان في روما و كنائس المعمدانيين الجنوبيين في أمريكا فلن نصل إلى حقيقة الأمر.
التحقيق و التفصيل في كل ذلك يطول ولكن المهم أن نفرق بين المسيحية الأصولية الصهيونية المتطرفة في عدائها للإسلام و المتحمسة بشدة لنصرة إسرائيل وبين المسيحية الكاثوليكية التقليدية. إن ما يسمى حركة الإصلاح على يد مارتن لوثر في القرن السادس عشر هي ما حرفت بوصلة الديانة المسيحية و أجهزت على آخر رمق فيها بتحويلها إلى مسخ مشوه لا هوية له , فهم – البروتستانيون و المسيحيون المتصهينون أو الأصوليون و المعمدانيون الجنونبيون – انفتحوا على نصوص التوراة المحرفة و أصبحت التعاليم و العقائد اليهودية جزءاً من المسيحية الجديدة.
لست بصدد تبرئة المسيحية القديمة لا دينياً ولا سياسياً فكتاب الله ينطق بالحق:
﴿ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ﴾ (30) سورة التوبة
﴿ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ (171) سورة النساء
﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ (17) سورة المائدة
﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ﴾ (73) سورة المائدة
و التاريخ سطر لنا من صفحات الحروب الصليبية السوداء ما يفجع القلب.
إذن هذه الدعوة إلى حرق القرآن جاءت من أطراف تنتمي إلى المسيحية المتصهينة و الكنيسة التي تبنت الدعوة في فلوريدا تأسست على يد قس تخرج من كلية صهيون للكتاب المقدس. و إذا لم يكن مممكناً ان نصدق الأسباب التي ساقها تيري جونز لإطلاق حملته العدائية ضد أقدس مقدساتنا , فما هو السبب الحقيقي يا ترى؟
السبب ببساطة يكمن في التوقيت : 11 سبتمبر.
أصبح الحدث بعد مرور الزمن منفكاً عن المسلمين و لم يعد العالم مقتنعاً بأن الإسلام - أو عموم المسلمين - يدفع باتجاه مثل هذا الفعل و يرضى به, ففي أسوأ الأحوال تتوجه الأنظار و أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة الذي بات معلوما لدى شريحة كبيرة من الغربيين و الأوربيين أنه لا يمثل الإسلام بل هو صنيعة أمريكية في الأصل و التكوين.
فالتوقيت يهدف إلى إعادة الربط بين الإرهاب و الإسلام و الحرق يهدف إلى الاستفزاز للدفع باتجاه ردود الفعل غير المنطبطة التي ستصبح دليلاً دامغاً على صحة مزاعمهم.
- فماذا قررنا؟
إن وضع الأمور في نصابها الصحيح هو الأهم.
فالتعريف بحقيقة الإسلام و دفع الشبهات لجمهور الأوربيين و الغربيين.
و رفع دعوى قضائية ضد تيري جونز و متابعتها قانونيا.ً
و إذا وقع بيد المسلمين في بلد إسلامي ملتزم بأحكام الشريعة يقدم للقضاء ليحكم فيه الحاكم الشرعي.
و التظاهر السلمي و رفع الشعارات الموالية للإسلام أين ما سمح بذلك و في أوربا و الغرب خصوصاً.
و الخطاب العقلاني و اللغة الرصينة على المنابر و في الصفحات و الشاشات.
و أما الكتائب و العصائب و السرايا فلهم لغة أخرى يخاطبون بها قوماً آخرين يعرفونهم و يعرفون سبل التعامل معهم.