كيف نرتقي بنقدنا؟

محسن الصفار

من إحدى علامات نشاط المجتمعات وحراكها العلمي والأدبي والاجتماعي في آن واحد، هو وجود الممارسة النقدية التي يتم تعاطيها وتفعيلها بين أفراد المجتمع، سواءً كان نقد لذواتهم أو نقد لأراء ولبنات أفكار الآخرين، فبهذا المنظور يتم قياس قوة وصحة جسم المجتمع، وعما إذا كانت تغزوه جراثيم الوصاية الفكرية، أو مبدأ الفكر الواحد المُسلَّم وغير القابل للنقد, ولكن يكمن الخلل حينما يريد الإنسان ممارسة دور النقد كحق مشروع له، ولكنه من حيث يعلم أو لا يعلم هو يمارس نقيضه البغيض أي التسقيط، فتُحرّف ثقافة الانتقاد وإبداء الرأي، ويصبح النقد تسقيطاً أو التسقيط انتقاداً، ووسط بعثرة المفاهيم والمصطلحات يبقى الإنسان في غفلة أو تغافل في بعض الأحيان عما يفعله بسبب الخلط بين النظرية والواقع.

النقد ينقسم إلى قسمين:

1/ نقد هدّام : أو ما يسمى بالنقد السلبي, وهو نقد لغرض النقد أي ليس انتقاد فكرة معينة لغرض تطويرها وتنقيحها من الشوائب, إنما انتقاد بغرض تذويب الفكرة وإلغائها, أو التعرض بالتجريح والتسخيف من القائمين عليها تحت شعار النقد, وهنا تكمن المغالطة إذ يعتقد البعض أنه يمارس حقاً مشروعاً من حقوقه, ولكنه في الحقيقة يحاول إبراز صيته واسمه عبر تحطيم مجاديف الآخرين.

2/ نقد بنّاء: أو ما يسمى بالنقد الإيجابي، وهو الذي يعنى باكتشاف السلبيات في فكرة أو مشروع معين لغرض تقويمه وإصلاحه,  وإيجاد البديل مع الاحترام للطرف الآخر وهو غاية المنى.

 الانتقاد مطلوب ولا يوجد أحد معصوم في الحياة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) و كل إنسان يجب أن يحتفظ لنفسه بحق الكلمة، وحق الفكر؛ لأن خلاف ذلك هو تمييع للذوات الإنسانية، وذوبان وجريان مع أفكار الآخرين، فالنقد مطلوب لتطوير المشاريع  الجمعية والفردية، والارتقاء بها،  وتبيان نقاط الضعف والقوة للمتصدين لها، ولكن هذا لا يكون بالتجريح والاعتداء على الأشخاص، وترك الأفكار حرة وطليقة, النقد المطلوب هو النقد البناء الذي:

 أولاً: يعنى بقراءة واعية للفكرة أو المشروع،  أي التعمق في التفاصيل والدهاليز، وليس قراءة عابرة كالاكتفاء بأخذ المعلومات من أقرب مصدر، سواء عن طريق الإشاعة، أو حتى عن طريق صديق موثوق في وجهة نظر المنتقد، ويقوم باتخاذ مواقف وفقاً للمعلومات المأخوذة بدون أي اعتبار لمدى صحة الخبر المنقول، أو صحة التفاصيل المنقولة، مع العلم أن بعضها بتر منه ما بتر، وأُوِل منه ما أُوِل لإغراض معينة فمن الخطأ أخذ المواقف بدون التأكد من صحة مصدر المعلومة.

 ثانيا : أن يلتزم المنتقد بالقراءة العلمية، بعيداً عن الحالة العاطفية أو العصبية للأفكار أو الأشخاص، والتي قد تدفع البعض إلى اختراق النوايا وإلقاء التهم والمزايدة على ولاء العاملين على المشاريع وعقيدتهم، وغيرها من التعابير التي لم ولن تكون عموداً من أعمدة النقد البناء.

 المجتمع بحاجة للرقي باختلافاته الطبيعية التي تحدث بين الأفراد نتيجة لتباين وجهات النظر وتباين الرؤى, وتحويل هذه الفطرة الطبيعية إلى خلاف لن تطوره بل على العكس تماماً ستزيد من التوغل في الخلافات الشخصية المقيتة.

ليسعى كل واعٍ لبناء مجتمع كبير يتسع لجميع الأطياف والتيارات, وكل شخص قيادي، أو صاحب مكانة علمية يضع نصب عينيه كيفية تطوير هذا البيت وتقوية أركانه, بدل أن يكون الهدف هو هدم ما بُني وشيّد, ويضع على عاتقه واجبات يقوم بها ويعمل عليها، وأن لا يرضى لنفسه أن يكون مشاهداً لا يملك سوى التنظير, لأن وجوده في ساحة العمل، وجهده سوف يزيد من قوة هذا البيت ومنعته أمام التحديات الكبيرة التي تواجهه.