هكذا حقق الصيادون مطالبهم

السيد ماجد السادة

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على اعدائهم الى قيام يوم الدين .

لا ينبغي للمهتمين بالشأن العام أن تمر عليهم حركة الصيادين المطلبية  دون أن يولوها بعض العناية من التأمل  ، فلقد استطاع مجتمع الصيادين أن يضربوا لنا أنموذجا حيا لحركة مطلبية قادرة على أن تحقق مطالبها وفي زمن قياسي ، وذلك عندما ارتكزوا على ارادتهم ووحدة كلمتهم .

لقد أضربت (920) لنجاً عن الابحار وعلى مدى اسبوعين مما اضطروا فيها الجهات المعنية للتراجع عن قرارها القاضي برفع تعرفة الوقود ( الديزل) من 25هللة للتر الى ريال و 65 هللة ،ليضرب لنا الصيادون بحركتهم هذه انموذجا حيا لنهج مطلبي يتجاوز اساليب الترجي والتسول الى حراك جماهيري ميداني ضاغط تشاركت وتعاضدت فيه همم الصيادين بمختلف ألوانهم ومذاهبهم سنتهم وشيعتهم حيث القطيف والجبيل والخبر والدمام ، في وقفة تلاحمية قل نظيرها لمواجهة تلك القرارات الطائشة والفوقية التي لا تراعي مصالح المواطن البسيط بل تأتي على حساب عيشه الكريم .

هذه الحركة المطلبية التي لم تتكئ على الخطابات او اللقاءات ولم تركن الى الوعود الواهمة حتى تغط في سبات احلامها ، بل انطلقت بفعل ميداني صاحبه اتصالات هنا وهناك ، مما خلق واقعا ينذر بتأزمات قد لا تقف عند حدود السوق ، الامر الذي اضطر  الجهات المعنية بإعادة النظر بدل المرة الف مرة لينتهوا الى تجميد القرار ويبقى سعر (25 هللة) للتر نزولا عند مطالب الصيادين   .

لهذه الحركة المطلبية اضاءات نسعى في هذه العجالة تلمسها وتبصرها .

الكادحون رواد النهضات :

     علّمنا التاريخ ان التغيير نحو استرداد الحقوق المستلبة لا يقوده البرجوازيون او اصحاب البذخ والترف الفكري ، انما تفرضه الشريحة المستضعفة والكادحة بانتفاضاتها وفعلها السياسي الميداني ، هؤلاء الذين يعيشون تحت ضغط الحياة ، ويعانون من شظف العيش ، ويرزحون تحت نير القرارات الجائرة المنتهكة والسالبة لحقوقهم ، هؤلاء هم الذين يصنعون التغيير ، وصيادونا ابرز مثال لهذه الحقيقة  ولهذه الشريحة الكادحة ، اذ لا يتعدى متوسط المدخول الشهري للبحار عن (4000) اربعة آلاف ريال في ظل غلاء صارخ وديون متراكمة وايجارات مرتفعة حيث الغالبية العظمى  من الصيادين لا يملكون بيوت لسكناهم علما ان متوسط اعمارهم 45 عاما مما  يعني اسرة لا تقل عن خمسة افراد .


قرارات لا تلامس الواقع :

     تصدر بعض القرارت اعتمادا على قراءات خاطئة وسطحية للواقع والمشكلة ، مما  يسبب خللا على مستوى السياسات المعتمدة في هذا الحقل او ذاك ، وهذا عينه ما حدث في هذه الازمة ، اذ اعتمدوا في قرارهم على دراسة لحركة الابحار في البحر الاحمر دون ان يضعوا في اعتبارهم التباينات بين البيئتين والمنطقتين البحريتين ، مما ادى الى اتخاذ قرارات اشعلت ازمة ، فمثل هذه الدراسات المبنية على قراءات سطحية او تلك القرارات الصادرة ممن  لا يملك حسا مرهفا تجاه المشكلات الاجتماعية ولا تربطه صلات انسانية بهذا الوسط الاجتماعي او ذاك ، ويعيش في برجه بعيدا عن واقع الناس وحياتهم الاجتماعية ، كل ذل لابد وان يؤدي الى تأزمات للواقع الاجتماعي .

الرجاءات والخطابات لا تكفي :

     فطن الصيادون قبل سياسينا ان أي حركة مطلبية جدية لن تسعفها مجرد الخطابات واللقاءات والوفود والبرقيات بقدر ما يجدي معها الحراك المطلبي الميداني لصنع انجازات مطلبية حقوقية بشكل سريع وقوي .

     فبرغم ما قام به الصيادون وشيخ الصيادين وجمعية الصيادين من اتصالات وبرقيات وخطابات ولقاءات سواء مع حرس الحدود او الثروة السمكية او غيرهما من الجهات المعنية الا أنهم لم يتكئوا على هذه الاتصالات ولم يثقوا بتلك الوعود بل أشفعوها بحركة مطلبية ميدانية على ارض الواقع تمثلت في اضرابهم المفتوح حتى تحقيق مطالبهم ، خاصة وان دخول الصياد وفق التعرفة الجديدة للوقود محكوم بالخسارة والتي لا تقل في بعض التقديرات عن أربعين الف ريال شهريا .

هذه التوأمة بين الاتصالات والحركة الجماهيرية الميدانية في المطالبة الحقوقية هي المعادلة التي فرضت استجابة عاجلة لمطالبهم  وتحقيق اهداف حركتهم المطلبية .

السنة والشيعة في خندق واحد :

سجّل تاريخ الاباء والاجداد عراقة التواصل الاجتماعي في منطقتنا بين السنة والشيعة منذ القدم ، الا ان مقولات وثقافات فتنوية  وافدة وطارئة على ثقافة واحتنا الاجتماعية بل والدينية  والتي جاءت بها بعض المدارس المذهبية  ، تكاد تلوث هذا الواقع ، ورغم ذلك لا زلنا نرى تواصلا اجتماعيا مقبولا قد يحتاج الى بعض الرعاية لتأكيده ، الامر الذي يبدد شبح أي فتنة محتملة او متقصدة في واحتنا ، وقد برهن على هذا الواقع من التواصل ذلك التلاحم الفريد بين السنة والشيعة الذي سطره لنا الصيادون سنتهم وشيعتهم  - من القطيف والجبيل والدمام والخبر – في موقفهم الملحمي ، مقاومين بإضرابهم تلك القرارات الجائرة بحقهم ، وهذا الموقف يبصرنا الى حقيقة ان الاختلاف المذهبي لا يشكل في واحتنا حاجزا حقيقيا و لا فاصلا اجتماعيا ولا ينبغي ان يكون كذلك، رغم ان البعض يسعى بشتى الطرق لخلق هذه الحواجز وتضخيمها ، الا ان التحديات المحدقة والهموم المشتركة كفيلة بإذابة كل تلك الحواجز المصطنعة لتؤكد روح التعايش بين ابناء واحتنا سنيهم وشيعيهم ، والتي حكمت علاقاتها الاجتماعية منذ قرون وقبل نشوء قرن الفتنة ومدرسته .

الهموم المشتركة توحدنا :

     رغم ما يعتري العلاقات بين اهل كل مهنة من تنافسات واحيانا تنافرات الا ان الهموم والتحديات المشتركة التي واجهت الصيادين جعلتهم يختارون توحيد الكلمة والوقف تجاه تلك الاخطار والتحديات متجاوزين خلافاتهم ومتناسين كل تنافراتهم .
وبحسب المعلومات فلقد كان وراء هذا الموقف الموحد مخاض ليس باليسير بسبب بعض التباينات وتلك الاختلافات الا ان ضغط التحديات جعلتهم يوحدون رأيهم وموقفهم باعلان الاضراب المفتوح عن الابحار على امتداد شواطئ الساحل الشرقي من الخبر الى الجبيل مرورا بالقطيف والدمام ، مما يعطي للمعنيين بالحراك المطلبي رسالة مفادها عدم الاستغراق في الخلافات البينية حتى لا تشغلنا وتغفلنا عن الاخطار والتحديات المحدقة بالمصير المشترك .