«حمسانين» داخل المجلس البلدي
هناك مقولة متداولة مفادها أن الوظيفة العامة تكليف لا تشريف، أما إذا كانت ضمن المجالس التمثيلية فعندها تكون الوظيفة أمانة في رقبة ممثل الشعب. هذا الأمر يقتضي بطبيعة الحال أن يتجرد أي ممثل عن شريحة من الناس عن ذاته وصراعاته ونزواته، وينحاز بدلا من ذلك نحو تحقيق الحد "الممكن" من مصالح ناخبيه. أما اذا ما حدث العكس، أي نزوع ممثل الشعب نحو معارك بينية صغيرة لا طائل من وراءها، تضيع فيها مصالح أبناء منطقته، فأقل ما يقول الناخبون حينها؛ ما لهذا انتخبناك!.
تابعنا على مدى الأشهر الأخيرة ما يمكن وصفه بمسرحية طويلة ومملة أبطالها بعض أعضاء المجلس البلدي في القطيف، ولعل آخر فصولها كان الخميس الماضي مع انسحاب عضوين من جولة ميدانية مشتركة بين ممثلين عن البلدية والمجلس البلدي بدعوى عدم مشاركة رئيس البلدية ضمن الجولة، المثير في الأمر، هو الترويج الاعلامي لخطوة الانسحاب هذه والتي أريد تسويقها اعلاميا كـ "انجاز" كبير!!.
كناخبين لسنا معنيين هنا ببحث أسباب اتخاذ هذه الخطوة الغريبة، والتي بررت باعتبارها احتجاج على عدم حضور رئيس البلدية، علما بأن رئيس البلدية، وبحسب لوائح المجلس البلدي،غير ملزم شخصيا بالمشاركة في جولات المجلس الميدانية خصوصا مع مشاركة مهندسي البلدية وهم المشرفين المباشرين على تنفيذ المشاريع. ان ما يهم الناخبين هو رؤية ممثليهم يعملون بفعالية وايجابية لتحقيق ما هو ممكن لصالح تطوير الوضع البلدي، ولعل في سيهات والقطيف وصفوى الكثير من المشاكل البلدية التي تستحق اهتماما ومعالجة وهي أهم بكثير من التفرغ لتسجيل المواقف الدعائية وغير المجدية بين الحين والآخر.
هنا دعنا نتحدث على نحو آخر، فقد يقول قائل ان العقبات التي تعيق عمل المجالس البلدية قد تدفع نحو التفكير بالانسحاب وتقديم الاستقالة، وهذا كلام لا غبار عليه. فقد يجد عضو أو أكثر بأن عمل المجلس البلدي، بات مستحيلا، وأن الأمانة تقتضي أن يصارح ناخبيه بأنه لم يعد قادرا على العمل على تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه، فيقدم استقالته تبعا لذلك. نقول بأن جميع ذلك أمر مشروع. لكن المصيبة هي ابتلاء بعض الأعضاء بحالة التذبذب والارتباك ليجدوا أنفسهم أبطالا فيما وصفناه أعلاه بالمسرحية المملة، وذلك نتيجة غياب الايجابية وافتقادهم قابلية العمل بروح الفريق مع زملائهم الآخرين في المجلس، والأسوأ من ذلك افتقاد الشجاعة الأدبية الكافية لاعلان استقالتهم الصريحة! ليتجهوا عوضا عن ذلك نحو لعب دور المتبرم دائما داخل المجلس أو "الحمسان" بحسب التعبير الشعبي.
يكاد يتفق الجميع بأن الظروف المحيطة بعمل المجالس البلدية في المملكة محبطة إلى حد بعيد نتيجة غموض الأنظمة وانعدام الصلاحيات وعدم تعاون البلديات وغيرها من الأسباب. لكن الغريب والمثير للتساؤل في آن هو ظهور عضو أو أكثر من داخل هذه المجالس نفسها ممن يحاول باستمرار اختلاق المشاكل البينية مع غالبية الأعضاء الآخرين طوال عمر المجلس!!.
من الصحيح القول بعدم ضرورة أن يكون أعضاء المجلس متفقين في كل شئ، لكن من غير المعقول أيضا أن نجد أسماء محددة في المجلس تدأب باستمرار على لعب الدور المعاكس لرأي الأغلبية طوال حياة المجلس، "فكما ان كثرة الوفاق نفاق فكثرة الخلاف شقاق" على قول الإمام علي . وبمعنى آخر، لم يعد هذا الانشقاق الدائم أمرا مبررا ولا مستساغا. نعم، نحن كناخبين لا نتوقع من جميع أعضاء المجلس البلدي أن يكونوا نسخا كربونية عن بعضهم، لكننا نفهم جيدا أن من مسئولية كل عضو أن يسعى بكل ما اوتي من حكمة وحنكة لتمرير أفكاره ومشاريعه المقترحة أمام المجلس وبأقصى ما يملك من الامكانات والسبل، والتي ليس من بينها اظهار حال التذبذب التي أشرنا لها آنفا. وبصراحة تامة، من المنطقي القول إما أن تعملوا بذكاء أو تستقيلوا بشجاعة، بعيدا عن الضوضاء وهواية تسجيل الفرقعات الاعلامية اليومية على حساب مصالح الناس!
ان أقل ما نتوقعه من اخواننا في المجلس البلدي والذين يعملون في ظروف غير مريحة هو أن يضاعفوا من جهودهم لتوفير "الحد الممكن" من التوافق، سعيا وراء تحقيق "الحد الممكن" من مصالح الناخبين.
ويبقى أن نقول بأن جميع ما سبق لا ينتقص بأي حال من كون بلدي القطيف يعد أحد أنشط المجالس البلدية على مستوى المملكة بفضل الفاعلية التي يمتاز بها رئيس المجلس المهندس جعفر الشايب ويشاركه في ذلك غالبية الأعضاء، الأمر الذي يبعث على التفاؤل بأن المجلس يسير بالاتجاه الصحيح نحو انجاز أقصى ما يمكن تحقيقه لصالح المنطقة.