أنظمة متحجرة

 

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين والحاكم بالعدل محمد وعلى أهل بيته أئمة الهدى الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
في وقت تعيش فيه الشعوب العربية غليانا أمام أنظمتها المستبدة وتطلعا جامحا نحو التغيير والمشاركة السياسية تمثلت في انتفاضات تنادي بملكيات دستورية وأخرى بإسقاط النظام.
    في ظل هذا الهيجان الشعبي العارم نحو الإصلاح والتغيير ، لازالت بعض الأنظمة تعيش حالة من الجمود في استجابتها لهذا الشارع المنتفض ، مراهنة في ذلك على سطوتها الأمنية لكبح جماح تطلعات شعوبها .
     ولان هذه الأنظمة لا زال يتمالكها غرور السطوة والقدرة فهي لا تكترث ولا تأبه لتلك النداءات والصرخات والانتفاضات ، بل وعلى أريكة استرخاءة المتجبر المتسلط تجدها غير مقتنعة بحياة يقررها الناس لأنفسهم حتى في ابسط أمورها ، فلا زالت تلك الأنظمة تحدث نفسها في جدوائية المجالس البلدية ، وما إذا كان من النافع أن يشرك الناس في اختيار جميع أعضاء المجلس البلدي أم يعين نصفهم ، ناهيك عن أن تفكر وترقى بتفكيرها إلى مستوى حاجة المجتمع إلى برلمان يمثل الشعب يشرع ويراقب الحياة المدنية والسياسية للدولة .
     إن نظاما بهذه الروح المرتعبة من مشاركة المجتمع ورقابته في الشؤون الخدمية فضلا عن السياسية هو نظام يدير البلاد بعقلية متحجرة عند لحظة ما قبل قرن أو قرنين من الزمن  لا قدرة له على استيعاب التحولات والتطورات التاريخية للشعوب ، وهو نظام يتعامل في إدارة البلاد وشؤون المجتمع بأشنع ما عرفتها الدكتاتورية والاستبداد من صور ، إلى الحد الذي يخشى فيه هذا النظام من أن تدغدغ فكرة الانتخابات أحلام الناس في التطلع لمشاركة اكبر في صناعة القرار ، أو يتنفس المجتمع هواء الحرية ويمارس حقه في التعبير عن رايه .
     إن زمن الصحوة الشعبية في عالمنا العربي اليوم ليتطلب تطورا في العقل السياسي الحاكم في النظام العربي بما يجعله يواكب حراك الأمة وتطلعاتها ، ويتمكن من تقديم معالجات استباقية للقضايا السياسية الجوهرية تستجيب لتطلعات شعوبها وتطورها التاريخي ، لا أن يماطل ويخادع شعبه فيرشيه ببعض التحسينات المعيشية الوقتية .
     إن الجمود في التعامل مع هذه التطلعات والمكابرة أمام اختيارات الشعوب وعدم الاستجابة لتطلعاتها دليل تحجر وضيق أفق الأنظمة الحاكمة ، وانشلال تفكيرها ، وعدم استيعابها السريع للدروس والتجارب الماثلة أمامها ، وهو تعبير عن الرغبة الجامحة في التسلط والاستبداد ، وعدم المرونة في الموازنة بين مصالح الحاكم الخاصة ومصالح الأمة ، في حين وجدنا بعض الأنظمة العربية بدت تظهر بعض التجاوب الخجول أمام تطلعات امتها ، إلا أنها دون الطموح .
     فهل ستصحو تلك الأنظمة من سكرة السطوة وجنون الاستبداد، لتعطي شعوبها حق المشاركة السياسية في صناعة القرار وحق الهيمنة الكاملة على مقدرات الأمة وثرواتها، وحق إدارة نفسها بنفسها، أم ستبقى تدير البلاد بلغة الشركة التجارية الخاصة، فتثرى هي وبطانتها منها ويجوع شعبها.