نظارة غاندي !
اليوم قرأت خبراً أسعدني بقدر ما أحزنني .. يقول الخبر بصحيفة الحياة السعودية : إن نظارة الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي قد أختفت من الهند ، أو بمعنى أصح سرقت من متحف ولاية ماهاراشترا الواقعة غرب البلاد ، فأمر حاكم الولاية بريثفيراج تشافان ، حسب تصريح وكالة الأنباء الهندية الآسيوية ، بإجراء تحقيق عالي المستوى بهذا الشأن ، حيث ألتقى بالمسؤولين الكبار والقادة ذوي السلطة ، للبحث عن الجناة ، وإرجاع النظارة إلي المتحف بأسرع وقت .. فبدأت حالة الأستنفار اليوم الأربعاء 15 يونيو 2011 ، ولقد اقترح أحد قياديي الحكومة ، عرض مبلغ سخي مقابل الإدلاء بالفاعل ومكان وجود النظارة .. فتلقى شعب الهند صباح اليوم الخبر كالصاعقة ، والبالغ تعدادهم الأخير أكثر من مليار نسمة " أي ألف مليون " وقرأ الجميع مانشيت سرقة نظارة غاندي بكافة الصحف الهندية ، والتي يربو عددها ألف صحيفة ! .. ثم تناقل الخبر السيء معظم وكالات الأنباء العالمية .. من شرق الأرض حتى غربها ، ومن شمالها إلي جنوبها ، وحتى كتابتي هذا المقال .
سيدي القارئ العربي .. هل يعقل كل هذه الزوبعة من أجل نظارة ! .. الحقيقة نحن لانريد أن نعرف من سرق نظارة غاندي ، لكن نريد أن نعرف لماذا هي بالذات ، ولماذا لم تحدث نظارتي المفقودة الشهر الماضي ضجة وبلبلة كما فعلت نظارة غاندي البالية ؟ ولماذا لم نسمع عن سرقة نظارة فلان وعلان من الناس .. صدقوني لو تجدون تلك النظارة الدائرية في سوق الخردة ، فلن تشتروها " بواحد شلن " ، وصدقوني إن من بين قراء مقالي الأن من يملك نظارة تعادل قيمتها سيارة أحدهم !
إذاً الجوهر ليست بالنظارة ، بل بصاحبها غاندي ! فهو رجل الحرية كما يسميه شعبه ، والمخلص الذي تنبأ به كريشنا الهندوسي على حد زعمه .. والمتأمل لشخصية غاندي وحياته ، سيفاجأ إنه شخص بسيط وذو لباس أقل من أن يقال عنه متواضع .. لكن كونه " إنسان مؤثر جداً " وبصماته غيرت مستقبل الشعب الهندي ومنحته الحرية التي كان ينشدها .
تلك البصمات من جعلت نظارته و صندله تعملان ضجة بإدارة متاحف نيويورك السنة قبل الماضية ، بعد أن أرسلت الحكومة الهندية وفداً رفيع المستوى للتشاور في كيفية إسترجاع نظارة غاندي الحديدية وصندله الجلد إلي مسقط رأسه .. فمكانتهم وقيمتهم كما صرح رئيس الوفد للصحف الأمريكية : من تراث الهند الوطني ، وأحد أهم روافـد حضارته الحديثة .
أنا هنا لا أمجد غاندي ، لكن هو واقع ومجد يفرض نفسه .. على أقلامنا وأدبنا وثقافاتنا .. في الحاضر والمستقبل ، وهذا ديدن كل إنسان مؤثر وله بصمات تعود على الإنسانية بالخير والصلاح .. فالتاريخ مليئ بالعظماء المؤثرين ، والذين يعجز قلمي في أن يحصي بصماتهم ، لكن هل هذه العظمة تأتي جزافاً من السماء ؟ أو هي من حصاد الإنسان لزرعه ؟
غاندي وأمثاله لم يكـونوا أشخاصاً من ذوي الدائرة ، أو بمعنى أصح ، من دائرة الحياة الروتينية " نوم ، عمل ، أكل " حتى يتوسد التراب ، ويبقى أسمه فقط بالبطاقة الحكومية لعدة سنوات ، ثم يندثر مع إنتهاء العقد الأول ، أو ربما قبله حلوله !
مع الأسف إننا لانأخذ مع أنفسنا وقفة نفكر فيها " ماهو دوري في الحياة ؟ " ، وهل خلقني الله كي أعيش كمن همها علفها ؟
أنا لا أطلب من الجميع أن يصبحوا كأنيشتاين وإبن سينا ، لكن على الأقل أن يقوم بدور مشرف لدينه ووطنه ومجتمعه .. فكل إنسان منوط بتكليف يحمله على رأسه ، وهي الإمانة التي أخبرنا الله بها ، ولهذا وهبنا العقل الذي يفرقنا عن تلك التي تبحث عن علفها ! وعودة على موضوع النظارة ولتلطيف الأجواء ، سمعت إن نظارة المجاهد الليبي عمر المختار رحمه الله ، قد سرقت عدة مرات ، بعد أن أخذها الصبي " علي " من مسرح العز كما أخبرنا المخرج مصطفى العقاد ، حتى أستقرت الأن بإحدى متاحف إيطاليا .
قال أحد المشاهير ، أشياء كثيرة تصنع السعادة ، لكن عندما أضع النظارة على عيني فأني أسعد إنسان بالوجود ..