إنَّهُ من كوكبٍ آخر !!
قلّةٌ هم القادرون على ضبط الذات ، الكارثة - أيها الأحبة - أن من يرى نفسه كذلك ينظر للغير على أنهم مجردين من كل فضيلة .إنّ عيب من أخترع المرآة - كما أعتقد - إنه أكتفى بأن ننظر لمظاهرنا من خلالها ، لنكون أحرص على عدم ميلةالمرزام!!
من يملك الجرأة ويعترف ، بأنه ليس من الملائكة ، كل من يقرأني الآن يرى بأنه حالة خاصة ، وربما كان طفرة جينية، كل المُثُل لديه لا تُنتهك ، وهو حامل لواء القِيَم نحو بناء المدينة الفاضلة ، غير مؤمنٍ بأنه بشر ، غير منزه ، ولا معصوم ، معه شيطانه وقرينه الذي يسوِّل له ، وله نفسٌ وهوى ، ونزوات ورغبات لا قعر لها .
إنني أكثركم عيوباً ، فليس معنى مقدمتي تلك بأنني أغرد خارج السرب ، أو إنني من كوكب آخر ، بل ورب الكعبة فإنني الأكثر غرقاً في العيوب ، ولكن هل نمتلك شجاعة النقد الذاتي والإعتراف بالخطأ بدلاً من إمتطاء الحيل الدفاعية لكي نبرر ما نحن عليه؟فالصراحة والوضوح مع الذات هي الباب الأوسع لمن أراد تصحيح وضعه ، وتصويب مساره ، حيث لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يتمكن المرء من ولوج دائرة الصواب وهو غارق في تنزيه ذاته عن أي عيب أو قصور ، فلا كامل إلاّ وجهه جلّ شأنه .
لست أدري لماذا ينظر البعض إلى الإعتراف بالخطأ بأنه سلوك دون الطموح ، أو إنه يُقلِّل من مكانته في محيطه الإجتماعي سواء في بيئة العمل أو خارجها ؟ ولست أدري كذلك لماذا يغضب البعض عنما تبادر إلى تنبيهه إلى خطئه بكل مودة وإحترام ، وكأنه يقول : عدوٍّي من أهدى إليّ عيوبي !! ؟ ثم أليس الإعتراف بالقصور أكثر نفعاً ، وأقرب صواباً من الإصرار على الخطأ ، والتعصب الأعمى للذات الذي لا ينتج عنه سوىالمزيد من الإنغماس في دائرة الجهل ؟
إنّ مُحاكاة البعض لما كان يحلم به " إفلاطون " عبر مدينته الفاضلة ، لهو كمن يحاول أن يمسك بالفراغ ، فلقد رحل إفلاطون دون أن ينعم برؤية تلك المدينة الهلامية ، وإنّ من شأن من يصر على المُضي قُدُماً في هذا التوجه المثالي أن يجني العداوة والبغضاء ، لأن الله سبحانه وتعالى قد خلق آدم لعبادته، وأمهل الشيطان إلى يوم يبعثون، وهبط الجميع إلى الأرض، بعضهم عدو بعض، فالشر والخير، والفضيلة والرذيلة، موجودان إلى يوم الدين، فلا مكان للمدن الفاضـلة التي كان يحلم بها السيد" أفلاطون " على أرض الواقع المعاش ..
الواقعية وحدها هي التي تأخذ بيدنا نحو آفاق الفضائل ، كما أن الصدق مع الذات هو السبيل الأمثل والأفضل للتخلص من جميع الآفات ، وتقبُّلنا للنقد البنّاء من الآخرين هو مفتاح سعادتنا ، ونبراس صلاحنا ، أمّا التخندق خلف الغرام بالذات ففيه خسران كبير ، فلا يجب أن ننزعج إطلاقاً ممن يبادر للعب دور " الرادار الإجتماعي " في حياتنا ، بل على العكس تماماً يُفترض أن نسارع إلى تقديم الشكر له والإمتنان لحرصه على مصلحتنا ، وإن شاب ذلك بعض الألم ، فإنها آلام الشفاء ليس إلاّ . تحياتي .