توصيات إيمانية لمن يسيء استخدام الشبكة العنكبوتية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق والمرسلين محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:

فهذه توصيات للمؤمنين والمؤمنات للتنبيه على خطورة سوء استخدام الشبكة العنكبوتية (الأنترنت) والتي أرجو أن تؤخذ بعين الاعتبار من قِبل المؤمنين والمؤمنات بالخصوص الشباب:

أولاً : أن الشبكة العنكبوتية (نعمةٌ) ينبغي أن تكون قناة تواصل بين الناس يتبادلون عبرها المنافع، ولا يليق بل لا يجوز للعقلاء وبشكل أخص المؤمنين أن يحولوها إلى (نقمةٍ) تُلحق الضرر، المادي أو المعنوي أو كليهما، بمن جعل الله له حرمةً هي مِن حرمته تعالى وكتب له حقوقاً لا يقوم بأعبائها المجتهدون الصالحون.

ثانياً : أن اختلاف الآراء أمرٌ طبيعيٌّ تفرضه اختلافات الناس الطبيعية. والاختلاف في الرأي والقناعة ليس مبرراً - بأي وجهٍ - لتجاوز الحدود الشرعية (فقهياًّ وأخلاقياًّ) على مؤمن أُمِرنا بأن نحب له ما نحب لأنفسنا. فكما لا يحب أيُّ واحدٍ منا أن يُساء له ولو بشطر كلمة (تصريحاً أو تلميحاً)، فليحذر الجميع من الإساءة إلى الآخرين ولو بشطر كلمة (تصريحاً أو تلميحاً).

ثالثاً : ينبغي أن نراقب اللهَ في ما نكتب، ولنتذكَّر جميعاً قولَ الله تعالى :﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْه رَقَيْبٌ عَتِيْدٌ [ق/18]، وقولَهُ تعالى :﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف/49]، وغيرهما من النصوص التي تقشعر منها الأبدان عند التأمل فيها، خوفاً من أن يكون الإنسان قد صدر منه ما يوقفه بين يدي ربه للمحاسبة والمعاتبة في ما لو لم يقصد الإيذاء فكيف بالمعاقبة لو قصدها.

رابعاً : أن التستر وراء الأسماء المستعارة والاسترسال في الإساءة للآخرين، بذرائع واهية، لا يعفي الكاتبَ من عاقبة مشاركاته المسيئة، والاسم المستعار إن كان ستاراً بين صاحبه والناس فلن يكون كذلك ولن ينفعه للاستتار عن الله تعالى الذي وصف نفسه بقوله ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق/16].

خامساً : أن الاختلاف في الرؤى، مهما عظم واشتد، لا يُسقط حرمةً لمؤمن، وقد وُصِف المؤمنون في القرآن الكريم بأنهم ﴿أُخْوَةٌ، كما أن حرمة المؤمن هي من حُرَم الله تعالى، كما في مجاميع الأخبار المعتبرة كالكافي وغيره، بل روي أنها أعظم من حرمة البنية (أي الكعبة) كما عن الصادق .

فهذه الحرمة المغلظة للمؤمن لا تبيح - أبداً - لمن يُصنَّف ضمن المؤمنين أن يهوِّن من شأن مؤمنٍ فضلاً عن أن يهتكه ويسقطه.

سادساً : أن الاختلاف في الرؤى، الذي هو طبيعيٌّ كما ألمحنا، له مناشئ اقتضتها طبيعة الخلقة وأقرتها شرعة الإسلام، وهذا الاختلاف يقع وتبعاً له تتباين النتائج المترتبة عليه. وفي هذه الحالة يكون المختلفون معذورين في آرائهم واختياراتهم، لأن كلاًّ منهم عمل بما أدى إليه فكره إن كان من أهل النظر، أو أدى إليه فكرُ مَن وثق به ممن يعتمد عليه من أهل الفقاهة والخبرة والبحث.

وهاهم فقهاء الإسلام من جميع الطوائف اختلفوا وسيظلون يختلفون ما دامت قدراتهم الاستكشافية والاستنتاجية متفاوتة، فيكون لكلٍّ منهم استنباطُهُ ومتبنياتُهُ، ومع ذاك الاختلاف لا يبيح الواحد منهم هتك من يختلف معه أو يحرمه من إبداء وجهة نظره العلمية، وبالطبع دون تعدٍّ على الآخرين. ومن يفعل ذلك، أي استباحة الهتك ونحوه، فإنه يخرج عن الحدود المتاحة له شرعاً وعقلاً وعقلائياًّ وأخلاقاً.

سابعاً : انتشرت منذ فترة مواقعُ ومنتدياتٌ وصفحاتٌ خصصت للطعن في المؤمنين، بسبب اختلاف هو مشروع في أصله، غير أن هذه المواقع، التي يعرف بعض أصحابها ويجهل بعضهم الآخر، استغلت ذلك بما يصح وصفه بأنه تصفية حسابات لأغراض مشبوهة، واعتمدت أساليب غير أخلاقية جعلت أصحابها والمشاركين فيها يتخفون وراء أسماء مستعارة وعناوين مجهولة. وصار دأب روادها والمشاركون فيها بالكتابة، أو المتابعة دون إنكار المنكر، هو : الوقيعة في مَن يخالفهم بالسخرية والاستهزاء، وتأجيج الفتن، وبث الإشاعات المغرضة والأخبار الكاذبة والمغلوطة، ونشر ما لا يجوز نشره ويجب كتمانه.

ثامناً : المأمول من العلماء وطلبة العلم والمثقفين والحريصين على مصالح الدين والأمة أن يقوموا بما تقتضيه القواعد الشرعية والأصول العقلائية والمصالح الاجتماعية عبر الخطوات التالية مما نطمئن بأنها مسلمات لا خلاف فيها ولا اختلاف حولها، وهي:

أ – تفعيل الدور الإصلاحي ونبذ السلبية واللامبالاة أمام صور الهتك التي يرونها أو تنقل إليهم ويعلمون بوقوعها.

ب - إشاعة أجواء المحبة، بالتأكيد على أن ولاية المؤمن للمؤمن لا تسمح بأي شكل من أشكال العدوانية.

جـ – العمل بشكل صريح على نبذ الهتك وإدانته، عبر الشرح الواضح والوافي والمتكرر لفتاوى الفقهاء حول مشروعية الاختلاف من جهة، وعلى بيان حرمة هتك المؤمنين من جهة ثانية.

دـ - إدانة الهتك ومحاصرته، وذلك بتكريس مشروعية الاختلاف العلمي في الأحكام والموضوعات. وكثيرة هي موارد الاختلاف، مثل: الاختلاف في تشخيص مرجع التقليد المتعين، وما يترتب عليه من اختلاف في أداء للشعائر الدينية والسلوكيات الاجتماعية وغيرها. ومثل ثبوت الهلال وما يترتب عليه من اختلاف في الاحتفال بالمناسبات الدينية والاجتماعية وما يناسبها من شعائر ومشاعر فرح وحزن ونحوها. ومثل ثبوت شخصية تاريخية عند فريق وعدمها عند فريق، وكذلك الأمر بالنسبة لاجتهاد شخص وفقاهته أو انتساب لعشيرة أو نسبة لكتاب، وعشرات الأمثلة التي لم يجد المؤمنون حرجاً من تبني مبدأ التعايش مع اختلافهم فيها، بعيداً عن الاستقطابات المتشنجة والتجاذبات السلبية.

تاسعاً : أن التلكؤ في تثقيف المؤمنين (فن التعايش مع الاختلاف) سيكرس حالة من القطيعة المذمومة في حالات الاختلاف التي لن تقف عند حد، وسيضعف تأثير العلماء الإيجابي للسير في طريق بناء المجتمع المثالي.

وعاشراً وأخيراً : أذكر نفسي وجميع المؤمنين بقول الله تعالى في كتابه الذي يهدي للتي هي أقوم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب/70]، وبقوله تعالى : ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال/46].

وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.