الأطفال يغادرون منازلهم في مجموعات تجول بالأحياء الرئيسية
لكركشون يعيد الشرقية إلى زمن الخوص والروازن
أعادت عادة "القرقيعان" المنطقة الشرقية إلى زمن الخوص والروازن والتراث القديم في ليلة بهيجة شهدتها مدن وقرى مختلفة مساء أول من أمس. وعاشت الحارات والأحياء القديمة أناشيد وفعاليات اجتماعية وسط مشاركة الأطفال والأمهات في العادة السنوية المعروفة أيضا باسم "القريقشون" و"حال وعاد".
وراح الأطفال يتنقلون من منزل إلى آخر منشدين "أعطونا من مالكم.. الله يخلي عيالكم".. في يوم احتفالي جميل كسر الروتين اليومي برائحة الأطعمة التي قُدمت للناس مجاناً. وقد دأب أهالي المنطقة الشرقية على إحياء هذا الاحتفال الفلكلوري طوال مئات السنين كما يقول المؤرخون، لا سيما وهم يستحضرون تلك السنوات عبر تصاميم مختلفة للبوابات الخاصة التي يصنعها الأهالي من سعف النخيل والخوص، كما دأبوا على بناء منازل قديمة تحتوي على أدوات تراثية متنوعة يسبقهم إليها الحنين للعودة إلى الماضي بذكرياته الجميلة.
ومن أحد مواقع الاحتفال بتلك الليلة، قال الحاج علوي هاشم "80 عاماً" لـ"الوطن" أول من أمس: إن ليلة "الكركشون" تلبس لباس التواصل الاجتماعي، وهذه المناسبة لا تنظر للمفرد محتفياً ومحتفلاً بها، لذلك فهي تدير وجهها للاحتفالات المفردة والمنزوية التي لا تريد من الآخرين طرفاً للاجتماع، إنها ليلة تريد احتفالاً جماعياً يفرح الأطفال ويبهج الكبار، يشعر بها المجتمع كله، فما أحلى تلك النفخة الجماعية التي تبعث روح الألفة للحاضرين، إذ إن هذا الاحتفال يميز نمط العلاقات الاجتماعية في القطيف والخليج بشكل عام، ويظهر روح التسامح والمحبة بين الناس.
ومن جزيرة تاروت، قال حسين آل شرف: إن الأطفال في تاروت ينشدون الأهازيج المعروفة بهذه المناسبة، وهم يرددون بفرح طفولي "أعطونا من مالكم.. الله يخلي عيالكم". وتابع قائلاً: إن الاحتفال هذه الليلة يجري تغييراً ملموساً في نمط عادات الطفل اليومية، وسيخرج الأطفال من الوضع الروتيني إلى وضع مغاير وجديد، والجديد بدوره سيقدم من محتوياته شيئاً نستطيع أن نسميه "فرصة ترفيه"، حيث تجد النفس ما يضفي عليها لون المتعة، فيغلب السرور وينتصر الابتهاج. مضيفاً: أن هذه المناسبة أظهرت إبداع وطاقات الشباب المشاركين في بناء المنازل التراثية والبوابات الخاصة بالمناسبة، واكتشفنا من خلال هذا العمل عددا من المواهب، حيث استغل هؤلاء الشباب إمكاناتهم وقدراتهم الإبداعية نحو عمل جميل من أجل المحافظة على التراث وتصوير نمط الحياة قديماً ليتعرف الأبناء على تاريخ الأجداد.
أما نضال الدرويش فقال: إن هذه الليلة تفرض على الجميع الاستعداد لها، ويكمن ذلك في تفاعلات النفس وأريحيتها وانطلاقاتها وسماحها مع الآخرين، حيث يحرص جميع الأهالي على ارتداء اللباس الجديد مما يعطي لوناً جمالياً يستطيع من خلاله الفرد مشاركة الجميع في ذلك العرس الجماعي، وربما يبرز ذلك بشكل أكبر وأوضح عند الأطفال، حيث يتنافس الأهالي في إبراز أطفالهم بأفضل شكل ليكونوا الأفضل من بين الجميع، ويشارك الأهالي أطفالهم بتعزيز الترابط الأسري على وجه خاص.
ومن القطيف التي عاشت ليلة احتفالية بهيجة، تحكي الحاجة "أم محمود" عن مراسم الاحتفال بـ"الكركشون" ذلك التراث الشعبي الذي يحرص على إحيائه الأهالي، الذي يبدأ عصراً في بعض قرى القطيف، كما تقول، حيث يحتفل الأهالي في المدن الأخرى ليلاً بعد صلاة العشاء، ويغادر الأطفال منازلهم ويتجهون إلى الأحياء الرئيسية من البلدة، وتشكل مجموعات وكل مجموعة يقودها أحد الأطفال، ويتنقلون بين المنازل وهم يحملون الأكياس المخصصة لجمع ما يجنونه من هدايا أو حلويات أو مكسرات أو "ريالات".