فلنحترم عقول شبابنا...بالتفاعل معهم
مسألتان مهمتان لفهم الشباب بشكل أفضل، ولتصويب حسن التعامل معهم: السؤال والتفاعل. فالسؤال كمفتاح للعلم هو مفتاح للفهم والتفاهم أيضاً. والتفاعل كما هو تعبير عن التفهم للآخر هو كذلك استجابة لحاجاته. يحتاج الشباب إلى هاتين العمليتين من قبل الآخرين ومحيطهم ومجتمعهم. فهم بحاجة إلى من يستمع إلى أسئلتهم العريضة وتساؤلاتهم الكثيرة، فالمرحلة العمرية التي يمرون فيها، وقلة تجاربهم قياساً بالآباء والأجداد، ونسبة وعيهم المحدود، تجعلهم في أمس الحاجة لمن يجيب على تلك التساؤلات ويزيل بعض الالتباسات عنهم في الفكر والسياسة والاجتماع...
بالطبع هذه الحالة تستدعي وجود معلمين أكفأ في المدارس، وتستدعي بذل الآباء جهداً متقدماً ووقتاً أكبر للتزود بمهارات الرد على أبناءهم، وإلا لن يجد الشباب من يجيب على تساؤلاتهم مما يدفعهم إما نحو البحث عنها بطرقهم الخاصة وهي خطوة جيدة لو حصلت، أو ارتجال المواقف لغياب التوجيه والمعلومة وهي خطوة قد يكون ثمنها باهظاً. هنا تأتي أهمية مبادرة المتعاملين مع الشباب نحو التجاوب معهم في هذا الإطار. عن أبي عبد الله ع قال: بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة. وسائل الشيعة: 15/106/1.
التفاعل مع الشباب كعملية ثانية ومهمة لتفهمهم والاستجابة لحاجاتهم هي المسألة الضرورية الثانية. عملية التفاعل تتم من طرفين، لا من طرف الشباب فقط كما يطالب به البعض، بل هي مطلوبة وأكثر ضرورة من الطرف الثاني، وهو المحيط الذي يحتك ويتعامل معه الشاب بشكل دائم. التفاعل مع الشباب لا يأتي بفرض الآراء والأفكار والسلوكيات عليهم، بل من خلال عملية تفاعلية يصل فيها الشاب إلى مرحلة القناعة الكلية والإيمان الواضح، سلباً أو إيجاباً، بما يتلقاه وينفتح عليه من ثقافات واعتقادات وأعراف ومواضيع عامة.
الأمر يعتمد على إرادة الشاب التي تتقوى من خلال رغبته في الوصول لأي شيء كالنجاح والتفوق علمياً، أو الالتزام الديني والأخلاقي المتقدمين. يمثل النزوع إلى التساؤل والميل إلى الفاعلية والحركة ميزتين للشباب، فإذا لم نتح الفرصة لهم كي يطرحوا الأسئلة، فإننا سنضطرهم إلى أن يكونوا متلقين وحسب، وبذلك نكون قد استأصلنا جذر إنسانيتهم الأساسي الذي يتمثل بالتفكير والتعقل. لمزيد من التوسع في هاتين المسألتين، السؤال والتفاعل، يمكن مطالعة كتاب المجتمع المدني: مقاربات في دور المرأة والشباب، للسيد محمد خاتمي الرئيس الإيراني الأسبق.
هناك وسائل عديدة لخلق التفاعل مع الشباب، هنا نشير إلى بعضها:
إشراك الشباب في عملية التفكير الجماعي فيما يرتبط بهم من قرارات، سواءً داخل الأسرة أو في المدرسة، وحتى على مستوى مؤسسات المجتمع المدني التي يعملون أو يتطوعون للعمل فيها.
الابتعاد عن أسلوب التلقين المباشر والتوجيه المنبري قدر الإمكان في توجيههم ونصحهم وإرشادهم، والاستعاضة عنه بإثارة المواضيع المتعلقة بحياتهم اليومية لمناقشتهم فيها مثل: أوقات الفراغ واستثمارها، مستقبل الشباب...
إشراك الشباب في طرح وتنويع البدائل في معالجة ما يواجههم من أزمات مع أقرانهم ومشاكل في أسرهم، مهما كانت في نظر الكبار أنها أمور صغيرة.
إظهار الاهتمام بكل ما يطرحه الشباب من مواضيع واقتراحات ومشاكل، والإنصات الكامل لهم. أي إظهار التفاعل.
تدريب الشباب ودفعهم، من خلال النقاش المستمر، على كيفية تشخيص ما يواجههم من مشاكل بحيث لا يهونوها أو يضخموها، عبر طرح السؤال تلو السؤال حول المشكلة المطروحة ذاتها، وبالتالي من خلال إجاباتهم يتعلمون على دقة التشخيص، ومن ثم يتعلمون على وضع بدائل العلاج.
دعم النشاطات الشبابية معنوياً ومادياً وفكرياً من خلال الحضور الفعلي ميدانياً وتذليل العقبات التي تواجههم.
الدخول مع الشباب، عبر إظهار التعاطف مع همومهم النفسية، لأن للحب مكانة وتأثيراً في أنفسهم، الدخول في عملية تحديد الأولويات التي ينبغي على الإنسان وضعها كقواعد لمجمل حياته الأسرية والتعليمية والعملية، كقاعدة المحافظة على التدين ثم الأخلاق، ثم قاعدة المحافظة على القيم الأساسية كقيمة الأسرة وقيمة التعليم، ثم قاعدة المثل الاجتماعية الأساسية...
مشاركة الشباب، عبر التشويق المشترك للتفاعل المباشر، وهو أمر يعتمد على طبيعة الثقافة التراكمية التي يختزنها كل شاب، التشويق على الإبداع في المجالات المحببة لديهم. في الفكر والفن والثقافة والرياضة والتقنية، وتشجيعهم على اختيار القدوة الحسنة في المجال ذاته الذي قد يبدعون فيه، بل دفعهم ليكونوا نجوماً في تلك المجالات.