طاش رمضان ولا شيخ شعبان !
ما أجمل رمضان وما أحلى أيامه ، فهو شهر خير وبركة ، والنصيحة فيه مطلوبة .. ونشر الإصلاح والصلاح بين عموم الناس فيه من أجمل العبادات المقربة لله .. فسبحانه جل شأنه يهتم لأمر عباده بمعاملاتهم وشؤونهم وأمورهم .. في دينهم ودنياهم .. وعلى سليقة أنبيائه ورسله أمرنا ويأمرنا بمداومة النصح والنصيحة بالمعروف في قالب اللين وعدم الغلظة والفضاضة ، بل بإفشاء مكارم الأخلاق والسلام .. شهر رمضان خير شهر لخير نصيحة وخير سلام ، لأنه شهر رحمة ومغفرة ، وهو فرصة لإنارة طريق الحائرين والتائهين .. والسعيد السعيد في هذا الزمان ، من يجـد من ينصحه ويرشده بصدق ! ولو بإشارة باليد أو برسالة نصية بالجوال ، وخاصة إننا بزمن العزلة والشغل الشاغل .
وللإعلام المعاصر ، وبكافة رزمه وأنواعه وأشكاله أرقام لا يستهان بها من الريادة والقيادة في معادلة التربية النفسية والتربوية لأبناء المجتمع ، إذ يصرح معظم الخبراء والمختصين إن لم نقل جميعهم : إن لإعلام اليوم نصيب كبير من تربية أبناءنا النشئ وتحديد مصيرهم وسلوكهم المستقبلي ، وربما الحصة الأكبر في دورة حياة بعضهم .. فكثير من الأبناء ( ذكور وإناث ) تربوا تحت التلفاز والكمبيوتر والجوال ، وأصبحوا ( أبناء الشاشة ) أن صح التعبير ، حتى أكلهم وشربهم غدى بمعية الشاشة .. بغض النظر عن كون نتيجة التربية إيجابية أو سلبية ، لكن نحن تكلم عن هذه الجزئية من الدور المؤثر والمسيطر على أبنائنا ، والذي له القدرة على تحديد المصير السلوكي ، الذي عجز عن تغييره الولي المربي والمدرسة معاً .
وبما إن مسلسل طاش ماطاش أحد أهم بصمات الإعلام الرمضاني العربي المؤثر ، وبإعتراف كبار الإعلاميين والنقاد العرب ، فأنا أعترف وبكل ثقة ومصداقية ، إن هذا المسلسل وبقوة كريزما ( شخصية ) أبطاله وممثليه وكومبارسه وموسيقاه ومخرجيه وكتاب قـصصه وحتى موسيقى المقدمة المعشعشة بذاكرتنا ، قد أمسك وسيطر وبقوة متشبثة بزمام الإعلام العربي الموسمي ، وأصبح كالإدمان على المائدة الرمضانية .. وبصراحة علنية ، أصبح معظم الكبار قبل الصغار يعشق إقبال رمضان بسبب طاش ماطاش ، ومن كافة أفكار وتيارات وأقطاب المجتمع العربي وليس السعودي فقط .. وأصبحنا ننتظر بشغف حلول الشهر الفضيل والكريم بأخلاقه وعطاءه ، ومن كرمه أن نجد من يرسم على شفاهنا الضحكة والبسمة كهذا المسلسل .
بحق إن رمضان شهر كسر الروتين السنوي والإبتعاد عن الرتابة المملة ، سواء بالصيام والإستغفار ، أو بشراء الملابس الجديدة للعيد ، أو حتى بالإعلام والتسلية والزيارات العائلية .. فإذا بنا نجد كبار المسؤولين في الدول العربية ، ورجال الأعمال ، ووجهاء القوم ، والعامة من كبار وصغار برجالهم ونسائهم .. الكل ينتظر بين يدي سفرة إفطاره ( معزوفة طاش ماطاش ) ، لما لا ، وقد حول المسلسل شهر رمضان ، شهر للتنفيس ، وقـول ما لا يقال بالشارع ، والصدح بما هو ممنوع من الكلام والكتابة ! ، وهذا إن دل ، فإنما يدل على الأساس التي انطلق منها المسلسل منذ بدايته من القناة الأولى السعودية ، إذ بدأ مشواره على مبدأ القبول بالرأي الأخر ، وعدم إقصاء أفكار شركاء الوطن والأرض والمجتمع ، وهذا هو ديدن حكومتنا الرشيدة حفظها الله .
سادتي ! رضينا أم أبينا ، مسلسل طاش ماطاش جزء من حياتنا ، وله نصيب في تربيتنا وتربية أجيالنا كقدوة يتحذى بها ، سواء بأخطاءها أو حسناتها ، والأهم من ذلك ، إن له إيقاع جميل في التنيفس والتعبير عما يدور بداخلنا من ضغوط وأخطاء مصدرها نحن أولاً ، ثم أقربائنا و أصدقائنا أو باقي المجموعات الحكومية والمؤسساتية ..
فقد أصبح هذا المسلسل بوق صرخة للجميع ، ومنبر من لا منبر له ، وصوت من يخاف أو يتردد في قول هذا خطأ أو أعتراض ذاك ، حتى أمام كبار المسؤولين وذوي القرار كثير من الموجات المضادة ضربت سفينة هذا المشروع الإعلامي الناجح ، سواء من رجال الدين أو النقاد من كبار الأدباء والصحفيين ، أو حتى من التربويين الذين يختلفون في وجهة نظر معينة ، وهذا طبيعي وصحي أن تجد من يخالف الفكرة ويعرض غيرها ، لكن ما حصل في أول رمضان هذا العام ، فهو غير لائق لا خلقاً ولا عرفاً ، إذ صدرت بعض الفتاوي التي تحرم مشاهدة هذا المسلسل ، وتضعه في قائمة الإعلام المنحط إن صح التعبير ، وأعتذر عن قولي هذه الكلمة !
لكن هي الحقيقة التي حتى الشيطان يخجل من قولها .. فكيف تحرم فعل من يلقي علينا النصيحة بالتجربة ؟ وكيف تحرم علينا من يعوضنا ما حرمنا منه ؟ وكيف تحرم علينا من يضحكنا ويسلينا ..
أتريد سلب ضحكـتنا وحريتنا ؟ لكن لا أستطيع إلا أن أقول :
( اللهم أحفظ لنا خير طاش رمضان وأبعد عنا شر شيخ شعبان )