قتَلَت مخدومتها فنُفِّذ فيها القصاص
أصبحت ظاهرة وجود الخدم ضرورة ماسَّة في الكثير من البيوت الخليجية ، و أصبح الكثير من نساء الخليج لا يستغنين عنهن حتى في أتفه الأمور ، بل أن بعض الخليجيات يصبحن عاجزات و مكبَّلات الأيدي و الأرجل في حال سفر الخادمة ، لأنها مَنْ تتحكم في كل صغيرةٍ و كبيرةٍ في البيت و تعرف عن كل شاردةٍ و واردةٍ و من غيرها تتعطل الحياة ، و لا يقتصر وجودها على البيت الكبير الذي يَعجُّ بالصغار و الكبار و يحتاج للعمل الكثير ، بل أصبحنا نراها في الأسواق تسير خلف العروسين الجُدد اللَذَين لم يمضِ على زواجهما إلا بضعة أسابيع أو أشهر .
و مع تفشّي هذه الظاهرة بشكلٍ فاحش في الوطن الخليجي المحافظ ، فمن الطبيعي أن يصاحبها بعض السلبيات بل و المعضلات بحكم الاختلاف الإقليمي و الثقافي و الاجتماعي و أحياناً الديني بين الخادمة و (( معازيبها )) ، فصرنا نقرأ و نسمع عن جرائم بشعة تُقدِم عليها خادمات ضد مَنْ تعمل لديهم ابتداءً بالانتقام في الأطفال بتعذيبهم و ضربهم و مروراً بأعمال السحر و الشعوذة و انتهاءً بالقتل العَمد مع سبق التخطيط لأحد أفراد الأسرة ، و نجد وسائل الإعلام لدينا تصبُّ جُمَّ سخطها و غضبها على الخادمة في حال وقوع جريمة من أي نوع من قِبَلِها ، و نقرأ عناويناً صحافية فيها استثارة لمشاعر القارئ و استجداءً لتعاطفه مع الضحية مثل : (( خادمة تقتل مكفولتها و هي تصلي ، أو خادمة تحرق مخدومتها وهي نائمة )) ، و المطالبة بإيقاع أقصى العقوبة عليها ، و نجد المتابعة اليومية لعجلة سير القضية على الصفحات الأولى في الصحف اليومية لملء بعض المساحات الفارغة ، و من أجل نيل ما يُسمَّى بالسَبق في العُرف الصحفي ، لكن أ لم يسأل كل من يطالب بالعقاب لهذه المجرمة نفسه لِمَ أقدمت على هذا الفعل و ما الدوافع التي جعلتها ترتكب جريمة بهذا الحجم ؟!.. يجب أن نكون متزنين في حكمنا على الأمور ، و يجب ألا نترك أسماعنا و أبصارنا للعابثين كي يعبثوا بها ، فلدينا عقول قادرة على التفكير و التفكيك و التحليل ، و بدلاً من تسليط كل الضوء على المقتول من أجل الحزن عليه و المُتَرَتِّب عليه السخط على قاتله و مطالبة الرأي العام بإنزال أشَدَّ العقوبة عليه تجاوباً مع تحريض الإعلام ، دعونا نُسلِّط جزءً من هذا الضوء على القاتل كي نرى دوافعه و أسبابه في ارتكاب جريمةٍ تهزّ السماوات و الأرض و هي قتل النفس التي حَرَّم الله إلَّا بالحق .
للأسف أن هذه النظرة الضيقة و الطريقة السلبية التي تنتهجها وسائل الإعلام ما هي إلَّا مواصلة لما بدأته منذ عقود من الزمن في تبييض و تلميع المجتمع و أفراده ، و إظهارهم على أنهم ملائكة لا يخطئون و لا يُدَنّسون ، و أنه مجتمعٌ مليءٌ بالخير و خالٍ من الشر ، و أنَّ كل ما يحدث لنا من مشاكل و جرائم ليس لنا يدٌ فيها و لسنا من ضمن الأسباب في وقوعها ، و ظللنا ننتهج هذا النهج حتى أصبحنا كما الكوب الذي يُصَبُّ فيه الشاي ، و عندما امتلأ فاض و أصبح يَصُبُّ خارجه .
يجب ألَّا نغفل أن الكثير من الخادمات اللاتي يقبعن خلف أسوار البيوت الخليجية الكثيرة يُعامَلن بازدراء و تُكال لهنَّ العبارات النابية و الضرب و كأنهن جوارٍ أو عبيد ، و يتعرضن لتحرشات جنسية و اغتصابات تفقدهن العفاف و الابتلاء بالحمل بطفلٍ غير شرعي ، و إذا وقع هذا المحظور ، بكل بساطة يتم تصفية حسابها و إرسالها و جنينها الذي في بطنها إلى بلدها مع أقرب رحلة دون تأنيب الضمير و دون التفكير في العقوبة أو في الجنين الذي هو ابنٌ لأحدهم من لحمه و دمه .
و في نفس السياق ، سوف أورد لكم هذه القصة التي سمعتها قبل فترة ، في إحدى البيوت في السعودية ، كانت هناك خادمة آسيوية ، و قد لاحظت عليها مخدومتها سلوكاً غريباً و هو أنها تدخل الحمام كل يومٍ و تمكث فيه لفترةٍ طويلةٍ جداً ، و استمرت على هذه الحال أياماً عديدة ، فاستوقفتها يوماً و سألتها عن سبب مكوثها في الحمام هذا الوقت الطويل ، في البداية لم تُقرّ ، و مع ضغط صاحبة البيت عليها اعترفت قائلة : قبل أن آتي للسعودية قد وضعت رضيعي ، و تركته و هو ذا عشرة أيامٍ ، و ضرعي قد ضاق بكثرة الحليب فأصبحت أشعر بألمٍ شديدٍ و صرت أدخل الحمام كل يومٍ كي أفرغه .. مأساة و رب البيت .
ماذا تريدون من فتاةٍ دون العشرين تركت والديها و أخوتها و جاءت كي تخدم و تعيش مع أغرابٍ تحت سقفٍ واحد ؟! أو امرأة تركت زوجها و أطفالها و وطنها من أجل توفير لقمة العيش لهم و فوق هذا تتلقى كل ما سبَق مِمَن تعمل لديهم ؟!
أتمنى من الجهاز الإعلامي ألا ينظر بعينٍ واحدة ، و ألا يزن بكفةٍ واحدة ، و مثلما يسلط الضوء على جرائم و سلبيات الخدم فيجب أيضاً ألا يغض الطَرف عما يتعرضون له خلف أسوار البيوت التي تدّعي أنها محافظة ، و لكن في الحقيقة تعاملهم مع هذه العينة من الناس يُبَيِّن أنهم بيوت منفرطة و للأسف ، فهذه من أبسط مبادئ العدل و الإنصاف .