من رؤى الإمام الشيرازي في صناعة التغيير (1)
رغم مرور نحو 20 عامًا على كتابة بعض هذه الرؤى، إلا أن قارئها يخالها كتبت اليوم، ولا عجب فهذا هو ديدن العباقرة يسبقون الزمن دائمًا ويتحررون من قيوده وحدوده، وهكذا كان فقيدنا الراحل(أعلى الله درجاته). وبعد أن استعرضنا بشكل موجز وسريع أهم أهداف التغيير في نظره(قدس سره) في المقال السابق، ننتقل –وبنفس المنهجية المذكورة- إلى حلقة جديدة من رؤاه نركز فيها على أهم الخطوات في عملية الإعداد لتحقيق التغيير المنشود على أرض الواقع، ومن ثم نتبعها بالإضاءات المتعلقة بالحراك الشعبي "الميداني" نحو التغيير في الجزء الثاني بحول الله وقوته. ومن أولى الخطوات المتسارعة في سلم التغيير ما يلي:
#006600 ; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-fareast-font-family: Calibri; mso-fareast-theme-font: minor-latin" lang=AR-SA>العمل لا الأماني: كان(قدس سره) يكثر من التذكير بالآيات والروايات الحاثة على العمل الناهية عن الكسل، ومنها: عن أمير المؤمنين: " #002060" >(من دام كسله خاب أمله).. وقال : #002060" >(الأماني همَّة الجهال). وقد قال سبحانه: #c00000" >(وقل اعملوا)، وقال: #c00000" >(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)". #c00000 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" dir=ltr>
#c00000 ; FONT-SIZE: 5pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" dir=ltr>
#006600 ; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-fareast-font-family: Calibri; mso-fareast-theme-font: minor-latin" lang=AR-SA>توعية الشعب ومكافحة الجهل: "إن الاستبداد إنما ينمو ويترعرع ويعيش ويقفز على الحكم ويبقى بسبب جهل الناس ولذا يصر الإستبداد دائماً على سياسة التجهيل، ويغلق نوافذ المعرفة على الناس بألف وسيلة ووسيلة.. فما دام الجهل مسيطراً على المجتمعات الإسلامية يبقى الدكتاتور، وإذا سقط الدكتاتور تسلم دكتاتور آخر مكانه، ولا تهم بعد ذلك الألفاظ.. من الضروري الاهتمام لفضح الدكتاتوريات في العالم الإسلامي، حتى لا يكون هناك دكتاتور يحكم حسب هواه، سواء حكم باسم القانون، أو باسم الدين، أو باسم الطبقة العاملة، أو باسم الطبقة المتعالية" (1).
"وفي سبيل إعطاء الرشد الفكري للمسلمين علينا بالجهاد، الجهاد بالقلم واللسان. وبمختلف وسائل الإعلام العصرية المؤثرة، وهذا أفضل من الجهاد في المعركة، ولذا نجد الحديث الشريف يقول: #002060" >(مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء)" (2).
#006600 ; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" lang=AR-SA>جمع الطاقات والقدرات: "..أن تجمع القطرات تسبب تكوّن البحار، وتجمّع صغار الرمال يسبب تكوّن الصحاري، وتجمّع الخلايا الصغيرة يكوّن بدن الإنسان والحيوان والشجر إلى غير ذلك فعلى الإنسان الذي يريد ممارسة التغيير أن يجمع القطرات من أجل هدم الأبنية السابقة وتشييد الأبنية الجديدة مهما طال الزمن ومهما احتاج إلى ضم قطرة إلى قطرة وذرة إلى ذرة وعمل إلى عمل وجهاد إلى جهاد وذلك بفارغ الصبر، وجميل الإنتباه" (3).
#006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-font-family: Arial" lang=AR-SA>الوعي السياسي: "من أهم الأمور التي تجب على الممارسين للتغيير هو فهم السياسة، إذ بدون الفهم المذكور لا يتمكن الإنسان من الشروع في العمل، وإن بدأ فإنه لا يتمكن من الاستقامة في أمره، وإن تجلَّد وقاوم فإنه لا يتمكن من مواصلة السير بالحركة إلى شاطئ السلام والهدف المنشود.. ولذا نرى المسلمين يصب عليهم البلاء صباً وهم لا يعرفون المصدر ولا الكيفية ولا الخصوصيات ولذا يعجزون عن العلاج والخروج عن المأزق فمن اللازم دراسة السياسة دراسة واعية ثم مباحثتها ومواصلة مطالعتها بدقة وحيث لا يمكن تجريد السياسة عن علمي الاجتماع والاقتصاد فاللازم دراستهما أيضاً.. ]و[ من الطبيعي أنه إذا علم الإنسان المرض ولم يعلم العلاج لم ينفع فهمه للمرض شيئاً، ولذا نرى أن المسلمين لما سقطت دولتهم الواحدة انقسموا إلى دولتين ولما سقطت الدولتان انقسموا إلى أربع دول.. واستفاد من هذه الغفلة وعدم الانتباه المستعمر الخارجي والخامل الداخلي حيث أركب المستعمرون عملاءهم على التيارات.. أما العملاء أنفسهم فقد استغلوا من غفلة الناس فرصة مناسبة لمصادرة الملك والمال ففسدوا وأفسدوا. ولا ينفع الإنسان أن يقول أني أفهم العلاج إذا لم يمارسه فالعالم غير العامل أسوأ من الجاهل.. والعلاج في المقام إنما هو ضم دراسة السياسة إلى جنب سائر الدراسات الأخرى في المناهج الثقافية بالنسبة إلى طلاب العلم سواء كانوا دينيين أو زمنيين ثم اللازم أن ينشر هؤلاء الدارسون السياسة بين المجتمع حتى تكون السياسة عند المجتمع كسائر شؤونهم العادية" (4).
#006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-font-family: Arial" lang=AR-SA>فهم الارتباطات: "ومن فهم السياسة أن يعرف الإنسان ارتباط الأمور بعضها ببعض وأن أي أمر يؤثر في أي أمر، ومعرفة المسافات والخصوصيات والمزايا والأقوام والاتجاهات والتيارات وما أشبه.. إذا لم يعرف الإنسان مجريات السياسة وخصوصياتها لا يتمكن من التدخل في شؤونها وتوجيهها والسير بها إلى الصراط المستقيم بل يزيد في الطين بلة، وفي البلاء محنة" (5).
"إن الله سبحانه وتعالى أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها.. يجب أن تفهم كيف تتصرف؟ كيف تتعامل؟ كيف ترتبط؟ كيف تعاهد؟ إلى غير ذلك من مقومات الحركة.. وماذا يؤثر هذا الشيء؟ وماذا ينتج من ذلك الشيء؟ وما هو السبب؟ وما هو المسبب؟ لماذا سقطنا نحن المسلمون؟ لماذا تقدم الغربيون والشرقيون؟ لماذا صرنا مبضَّعين مبدَّدين؟ كيف العلاج؟ ما هو المسير؟ كيف المصير؟" (6).
#006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-font-family: Arial" lang=AR-SA>الواقعية: يشير(قدس سره) في عدة مواضع إلى عامل مهم جدًا في عملية التغيير وهو "الواقعية"، وهذا لا يعني الاقتصار على التغيير السطحي فقط، بل يعني العمل على تقوية العوامل الواقعية الضرورية للتغيير، فحتى الثورات لها عواملها الواقعية مثل وجود حالة عالية من الاستعداد للتضحية عند الجماهير، وغير ذلك من عوامل.
#006600 ; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" lang=AR-SA>الاعت #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-fareast-font-family: Calibri; mso-fareast-theme-font: minor-latin" lang=AR-SA>ماد على جماهير الشعب وسلمية الحراك: "إذا تسلط الدكتاتور على الأمة بألف اسم وتحت ألف ستار، فاللازم على المصلحين أن يتمسكوا لإزالة الكابوس بالقوة الشعبية، فإن هناك قوتين لا ثالث لهما، قوة السلاح حيث تقع يد الحكومة، وقوة الشعب التي تتمكن أن تقاوم قوة السلاح، فإذا تمكن المصلحون أن يتمسكوا بهذه القوة بتعقل ورويَّة أزالوا تلك القوة، فإنها القوة الفائقة.. وكلما توسعت هذه القوة، تقلَّصت قوة السلاح، إلى أن تسقط قوة السلاح عن يد الدكتاتور. ومن المهم جداً تحييد السلاح أولاً، حتى لا يدخل الميدان لصالح الدكتاتور، وغالباً يمكن تحييد السلاح بعدم أخذ الشعب في إضراباته، ومظاهراته السلاح، بل تكون حركته سلمية، تتجنب العنف والشدة"(7).
#006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; FONT-SIZE: 12pt; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-font-family: Arial" lang=AR-SA>تأسيس الأحزاب والحركات والمنظمات والجمعيات والمؤتمرات: "لجمع الطاقات والنشاطات وصبها في التغيير الفعلي والقيام بالمظاهرات والإضرابات العامة، وتحصيل الموارد المشروعة للتمويل الدائم" (8).
"والعالم المعاصر يعتمد على (التنظيم).. هل يمكن العيش -في مثل هذا الجو المشحون بالتنظيمات- بلا تنظيم؟! أم أن النتيجة لن تكون إلا التبعثر والتمزق والانهيار؟!.. إن النتيجة ليست متوقفة على العلم والجهل، أو الإمكان وعدمه، فالدنيا دار أسباب ومسببات، والمسببات تتولد -بشكل قهري- من الأسباب، سواء وجدت الأسباب بعمد، أو بغير عمد..
أما بالنسبة إلى كيفية التنظيم، فإن كل فرد يستطيع ذلك.. إما بالانتماء إلى إحدى المنظمات.. وإما أن يبدأ تنظيماً جديداً بنفسه.. وذلك بأن يلتقي بأربعة من الأفراد الصالحين، يغذيهم بالفكر السليم، وينظّمهم.. ثم ينظم كل واحد من هؤلاء -بعد استيعابهم للفكر والتنظيم- أربعة آخرين، فيصبح المجموع عشرين. وبهذه الطريقة يتصاعد التنظيم -على نحو التصاعد الهندسي، لا على نحو التصاعد العددي- حتى يبلغ الألوف والملايين" (9).
#006600 ; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-fareast-font-family: Calibri; mso-fareast-theme-font: minor-latin" lang=AR-SA>تقديم البديل الأفضل: "الناس يجب أن يعرفوا أن المبدأ المرتقب أفضل بكثير، حتى يغيروا مبدأهم الحالي إلى ذلك المبدأ.. أما تغيير هذا المبدأ إلى مبدأ آخر ـ وإن كان أفضل في الجملة ـ فإنهم لا يستعدون له لما يعرفون من أن في تغيير المبادئ أخطارًا كثيرة". وعدم إيضاح البديل "لا يسبب تحريك الناس تحريكاً عملياً حتى يثوروا ويبدلوا المناهج الحاضرة إلى مناهج لا يعلمون عنها هل هي أفضل أو لا، بل وكثيراً ما يظنون إنها ليست بأفضل" (10).
#006600 ; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi; mso-fareast-font-family: Calibri" lang=AR-SA>الإعداد الكبير: "إن انتصار أية ثورة في التاريخ وانتصار أي مبدأ في الحياة لا يمكن أن يأتي لشعب على طبقٍ من ذهب. إن في الثورة تضحيات، وقبل التضحيات هناك العمل الطويل الشاق فالثورة من بدايتها إلى نهايتها عمل متواصل من أجل بلوغ الهدف... هذه هي سُنَّة الحياة وهي تتطلب من الإنسان أن يكون واقعياً مع نفسه ومع الواقع الخارجي، فلا يتمنى ويضمر في قلبه شيئاً يريد تحقيقه دون عمل حثيث من أجله. وقد دلَّت التجارب الحيوية إن أي شعب يريد الانتصار، فإن عليه الإعداد والاستعداد لتقديم الثمن لانتصاره، والثمن هو الوقت والراحة وكل شيء يملكه.. إن الحياة السعيدة للذين يجاهدون ويعملون، وإن نصيب القاعدين والمتخاذلين هو الذل والمهانة في الدنيا والآخرة.. ومن الطبيعي أن نرى المواجهة أو ننتظرها، فالشعب الذي يعيش أبناؤه في أقبية السجون وتحت التعذيب ويلفهم الحرمان لابد وأن ينتفض ويتخلّص من الرق والعبودية في يوم مَّا.. وهنا تأتي مرحلة الإعداد وهي المرحلة الصعبة الشاقة في حياة أي شعب يطالب بالتحرر..
الأنظمة تعمل الكثير في سبيل الحفاظ على عرشها إنها تستورد الخبراء العسكريين، وخبراء (الأمن)، وخبراء التمييع والإفساد، وخبراء التعذيب لمجتمعنا، وتبني السجون والمعتقلات لتحبس الثوار.. ]و[ لا يمكن التخلص منها إلا بالعمل الجاد والإعداد المستمر من قبل أبناء الأمة حتى نكون في مرحلة نستطيع أن نقول للأنظمة (لا).. على الفرد منا أن يقوم بجهود جبارة وأعمال بطولية تساوي أعمال وبطولات العشرات" (11).
#006600 ; mso-fareast-font-family: Symbol; mso-bidi-font-family: Symbol">· #006600 ; mso-ascii-theme-font: minor-bidi; mso-hansi-theme-font: minor-bidi; mso-bidi-theme-font: minor-bidi" lang=AR-SA>الإعداد النفسي للصراع: وهو "عبارة عن صراع إرادة الأمة مع إرادة الأنظمة، بمعنى أن الشعب يملك الإرادة والعزيمة، وخصمه المتمثل في النظام يمتلك أيضاً تلك الخصائص. وإرادة الشعب تتحدى إرادة النظام وعزيمته التي هي عزيمة البقاء، وهذا هو صراع الإرادة... فعملية الانتصار ليست سهلة كما يتصورها بعض الناس، بل إن من واجبنا خوض الأعمال الصعبة وتحدي ظروف السجن والاعتقال والتصفية والهجرة والنفي.. إن النظام السائد في عالم اليوم يمتلك الوسائل الفتاكة لقمع المظاهرات وسجن المصلحين وتعذيبهم وأحياناً قتلهم ومصادرة أموالهم.. فعلى الإنسان أن يصمم لتلقي كل ذلك. وهناك حقيقة لابد من معرفتها وهي أن المصلح يجب أن ينتظر من النظام المواجهة العنيفة، لذا فإن عليه أن يكون مستعداً في هذه المرحلة لتفويت الفرصة على النظام. إن النظام.. لا يتساهل مع الجماهير فإنه سيضع كل إمكانياته وقدراته في سبيل القضاء على المقاومة الشعبية لحكمه"(12)، ولذلك فعلى الشعب أن يتهيأ نفسيًا لتلقي عظيم الأذى وتقديم التضحيات الكبيرة في مسيره نحو الخلاص من عبودية الظالمين وأذاهم.