ورحل الحنون
نعم لا أجد حرجاً في الإعتراف بالضعف المسكون بلوعة الفراق، نعم .. وألف نعم للبوح الهادر في أصقاع المعمورة بأنه لا مخرج للفرار من فيض حنانك الذي يكبلنا لنظل مأسورين لجميل فضلك، وكرم خصالك، وفيض مودتك، ولُطف معشرك.
نعم أيها الساكن في الحنايا، المتربع على عرش الأخوة الممزوجة بعبق النبوة والإمامة ومذبح الحسين، نعم .. وألف نعم لك أيها الصديق الصادق الصدوق، يا من امتلأت قلوبنا وعقولنا قناعة بنور صُبحك المشرق كالملائكة على ضفاف نهر الوفاء فلم نعرف العطش منك ولو لبرهة ما حيينا معك.
ترصدنا حيثما كنا، تتبعنا كأم لطفل رفيف، لم يعرف المللُ قط إهتمامك بمن تحب طريقاً، بالتأكيد نملك كل الحق إن نحنُ رفضنا الفراق رغم إقرارنا بالحق المبين، ورغم إيماننا بأننا ليس إلاّ أمانات لرب كريم يملك الحق المُطلق في استردادها متى شاء وأينما يشاء، ونحنُ في صدمة مصابك الجلل نستحضر ذلك المُحيا السمح الأنيق الذي تسبقه البُشرى قبل أنت يلوح، وعندما يأتي يلثمنا بقبلات ثغره الباسم في أحلك الظروف ليشيع جواً من الأمل الذي لا يبور.
نعم أيها " الخالد " بذكرك المعربد كالبخور في الطرقات، المسافر كالطير الصادح على جميع الشُرُفات، ما لي أراك هناك .. تبتسم خلف الغيم عند الرحمة وراء حجُب الأستار، وعلى غير عادتك تركت لنا روحك الوضّاءة ترفرف حول حقول الياسمين وكأنها تبحثُ عن " خضر، ونهج، وعلي" وتسألُ عن إسم مولود " عزيز " القادم بعد فترات، نعم يا حبيبي إنني أراك وقد أمسكت بيد " زينب ، وأحمد " تتوسلهما لإحضار " خالد ، ونور" لتمسح على رأسيهما برأفة ورحمة تستوطن كل الزفرات.
أنت تعلم جيداً بأننا لسنا لوحدنا المثكولين بفراقك الذي أصابنا بالذهول، وأضاع منا بوصلة الإتجاه، كثُرٌ هم الذين تزلزلت مشاعرهم لرحيلك الحارق في جنون، كثُرٌ هم الذين لن يستطيعوا مقاومة صدى أخلاقك العُذرية في ساحة اللقاء، كثُرٌ هم الذين يأمَنُون على مشاعرهم وهي تنداح في حضرتك يا صاحب المعالي بهمتك وإصرارك الذي لم يبور، فما أقسى لحظة الوداع، وداعك المر إلاّ من شآبيب رحمة ربِّ لطيف كريم، ما أقسى الوجع المتحرك من بين ضلوع المفجوع بفراقك الحق.
صبراً .. صبراً " يا أم أحمد " أيتها الرفيقة المؤمنة، أيتها " السيِّدة " الفاضلة، صبراً .. صبراً لإن الجرح الغائر في حنايا " الأبوة والأمومة " يستغيث بلطف الإله ليخفف من لظى الخسران العظيم، فما أقسى أن يشهد الوالد يوم زفاف مولوده إلى الآخرة، وما أقسى أن ينكسر ظهر الشقيق بفقد أخيه في ليلة غادرة. وداعاً يا أنيسنا المغادر من الفناء إلى الوجود، ومن الهبوط إلى الصعود، ومن حطام الدنيا إلى نعيم الآخرة. إلى اللقاء يا حبيبي.