الأمن في الوطن


(اللهم آمنا في أوطاننا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا) دعاء مأثور، سمعته مرة من إمام في أحدى الفضائيات، لكن أثره في نفسي كان مختلفا تماما، كان الإمام في مسجد من مساجد الصومال، وكانت الأوضاع حينها على كف عفريت، فالرصاص والقذائف ملء السمع والبصر، أما الموتى فهم في الطرقات تتذوق الكلاب لحومهم، فتأكل ما طاب لها وتزهد في الباقي.

كنت أقول في نفسي ذاك من يعرف الأمن والأمان، ويقدر قيمتهما لأنه ذاق الأمرين من فقدهما، وحفر الخوف والهلع في نفسه صورا لا يخفف من ألمها وخشية تكرارها سوى اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتوسل(اللهم آمنا في أوطاننا).

مرت الأيام وتحرك نسيم الربيع العربي، واضطربت الأوطان، ففاجأني وعي من لم يعش تلك الصور، ولم يعاني ما عاناه الصوماليون، لكن حضريته وثقافته وإدراكه ووعيه للأمور جعله يجنح للسلم، ويتمسك به في أحلك وأشد الظروف.

شعب مثل الشعب اليمني الذي يولد مولوده إلى جانب قطعة السلاح، ويتزين رجاله في حلهم وترحالهم بالسلاح، وتتنافس قبائله في التسلح كمية ونوعا، ومع ذلك يأبى تفكيره وتتعالى تصرفاته أن تتخذ من العنف وسيلتها في التغيير، وتشمخ أخلاقياته عاليا وهي تتمسك بالسلم وتعظ عليه بالنواجذ، ولا تقبل عنه بديلا.

لا يُجَرُ إلى السلاح وهو الشعب المسلح، ولا يستدرج للقتال وهو العارف بفنونه، ولا يدع سلمه لأنه يعي أن السلم هو كل الخير لأهله وأجياله وترابه، ويبقى واعيا مدركا أن معاناته مهما كبرت هي أقل كلفة من جنوحه نحو العنف والسلاح.

سأنتقل من الشعب اليمني الذي يمتلك ثقافة السلاح إلى واقعي المر في منطقتي، فخلال شهر واحد فقط تعرضت القطيف الوطنية الحبيبة إلى أكثر من عمل استخدم فيه السلاح في وضح النهار، والرجوع لمواقع النت كاف في معرفة تفاصيلها، لكن أبرزها كانت عملية سطو مسلحة استهدفت مستوصف مضر التابع لجمعية القديح الخيرية، وسوبر ماركت يقابل مكتب الهزيم للسفريات في قلب القطيف، كما سجلت عملية سطو مسلح راح ضحيتها الشاب مهدي زاهر الحبيل من بلدة الجارودية في 2/11/1432هـ.

لقد كانت مطالب الناس كثيرة ومتعاقبة للجهات الأمنية بأن تتبنى تطهير المنطقة من السلاح، لأنه خطر على أبنائها قبل أي أحد آخر، لكن الأمر استمر في الانفلات، ومعاناة الناس تكبر جراء هذا الخطر، حتى أصبح استخدام السلاح لغة سائدة تؤذي الناس وتؤرقهم حتى في أبسط النزاعات الشخصية، وهذا واقع لا يتكتم عليه أحد من سكان القطيف – مواطنوها والمقيمون –.

هذا واقع يئن الناس منه قبل غيرهم، ويذوقون عذابه وويلاته كل يوم هم دون سواهم ، ويتحسرون على أيام مضت كان الأمن قبل كل شيء هو فخرهم واعتزازهم، ويرجون اللحظة التي تخلو فيها محافظتهم من قطع السلاح.

هذا الوضع السائد والمؤرق الذي القيت الضوء على بعض حوادثه خلال شهر واحد، يجب أن يكون حاضرا في تفسير أي حادثة يستخدم فيها السلاح في المنطقة، لأن حضوره يساهم في توسيع أفق الفهم والتحليل، ويعطي للنتائج مصداقية أكثر، ويساعد في دقة الحل والعلاج.

سأنطلق من فهمي للوضع في منطقتي، وبعيدا عن هذه الحادثة المؤسفة أو تلك، كي أطالب الجهات المعنية بتطهير المنطقة من السلاح، والتعامل الحاسم مع تهريبه وتسهيل وصوله، والعقاب الرادع لمن يكون في يده، ومتابعة القضايا التي فيها استخدام للسلاح بمهنية عالية، ليُستبدل الروتين المشجع لاستعمال السلاح بتسجيل الجرائم ضد مجهول، بعمل جاد يكشف فيه عن الفاعل لينال عقابه، ويكون رادعا لغيره من ضعاف النفوس.

حمى الله بلادنا وأهلنا وأمننا من كل سوء، وجعل زينة بلادنا الأمن والطمأنينة، (اللهم آمنا في أوطاننا)