كراهيات منفلتة من العقاب
العريفي، الكلباني، الحذيفي، وبقية الأسماء المعروفة لا ينتهي أحدها من حفلة شتائم ضد طائفة من مواطني هذا البلد - أعني الشيعة - حتى يبدأ الآخر في مسلسل يبدو أن المخرج اختار له نهاية مفتوحة للإقبال الجماهيري الكبير عليه.
والإقبال – بطبيعة الحال – له إغراءاته التي لا تقاوم، وليس أسهل من تحقيق الإقبال من خلال خطاب يتوسل أدوات التهييج العاطفي وإثارة الغرائز العدوانية، ويوظف المفردات الدينية توظيفا ذرائعيا مقيتا يجعل منه وحده القابض على ناصية الحقيقة، وأما الآخر المختلف معه فليس له منها حرف أو بعض حرف.
السؤال: كيف يجرؤ هؤلاء على المجاهرة بالكراهية والتحريض على بعض مواطنيهم؟
وماذا تعني المواطنة عندهم؟
أليس من المفارقة أن يتحدث الحذيفي في خطبة الجمعة في المسجد النبوي الشريف عن الشيعة بكل العبارات المسيئة، ثم يشفعها بقوله: الروافض الشيعة في عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وفي عهود من قبله من ملوك هذه الدولة متمتعون بحقوق المواطنة؟!
في الواقع لقد فتح بيان وزارة الداخلية الأخير حول الأحداث في العوامية الباب أمام هؤلاء ليبدؤوا القصف المدفعي المتواصل لقذائف الكلمات النابية على طائفة من مواطني هذا الوطن دون أن يشعروا بأي حرج في تصعيد الخطاب الاستفزازي إلى أقصى مدى، حيث يحملهم الشنآن الطائفي على مفارقة العدل، وحيث تزر عندهم وازرة وزر أخرى.
إن أبسط ما ينبغي أن نطالب به كمواطنين لهم حق الحماية وصون الكرامة، وقد طالب به غيرنا من قبل هو إصدار قانون يجرم التحريض على الكراهية. ففي الأول من فبراير 2011 م وتحت عنوان ( حان الوقت لقانون الكراهية ) طالب الكاتب في جريدة الرياض فهد عامر الأحمدي وزارة الداخلية بسن قوانين واضحة وصريحة لمقاومة التحريض وإشاعة الكراهية ضد الآخرين (سواء فردا أو طائفة أو أقلية أو حتى موقفا فكريا عاما).
وقد برر موقفه هذا بأن التحريض فتنة (أشد من القتل) والدعوة للعنف (إبادة جماعية) تتطلب سرعة الوأد والإيقاف .. وكلاهما معول هدم حقيقي يفكك المجتمع ويدمر الأمة ويؤسس شروخا تتوارثها الأجيال – تتبلور عاجلا أم آجلا كحروب طائفية وأهلية قاسية.
إن إصدار مثل هذا القانون سيكون انسجاما مع ما تبنته الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري حيث اعتبرت نشر الكراهية والتحريض عليها جريمة يعاقب عليها القانون، كما سيكون تطبيقا لوثيقة تنظيم البث والاستقبال الفضائي في المنطقة العربية التي نصت في أحد بنودها على الالتزام بالامتناع عن بث التحريض على الكراهية أو التمييز القائم على أساس الأصل العربي أو اللون أو الجنس أو الدين.
وفوق ذلك سيكون تطبيقا حقيقيا لأحد تجليات حقوق المواطنة ونعني به احترام وصيانة كرامة المواطن، حيث المواطنة – كما هو معلوم – عبارة عن علاقة قانونية تتكون من مجموعة من الحقوق والواجبات التبادلية بين الوطن ممثلا في الدولة وبين المواطن، وأبسط تلك الحقوق وأصلها احترام الكرامة الإنسانية للمواطن بغض النظر عن انتماءاته الفرعية من جنس أو لغة أو دين أو غيرها.
لا أدري كيف نشيد كمسلمين بمحاكمة زعيم حزب الحرية الهولندي غيرت فيلدرز بتهمة التحريض على الكراهية والتمييز ضد المسلمين، لوصفه الدين الإسلامي بـ"الفاشي" ودعوته إلى حظر القرآن، ولكننا نتناسى ولا نلتفت لما يحدث بين ظهرانينا من تحريض طائفي مستمر يستخدم كل أدوات الاتصال الحديثة لتكريس الكراهية والعزلة، ولا نطالب بمحاكمة مرتكبيه، رغم أنه أخطر بكثير علينا من مقولات اليميني المتطرف غيرت فبلدرز.
لقد حان الوقت لإعادة الحسابات قبل فوات الأوان لأن قراءة التاريخ المعاصر تنبئنا كيف تمزقت هولندا بسبب الحرب الطائفية إلى دولتين هما هولندا وبلجيكا، وكيف أصبحت الهند ثلاث دول، ويوغوسلافيا سبع دول.