العلاقات بين الإحتلال والإحتيال
هناك قولٌ قديم، أو لنقل حكمة متوارثة يقول مضمونها : " إذا لم تقدر عليهم فانضم إليهم " وهذه العبارة التي تعكس في غلافها الخارجي بل وفي جوهرها الكثير من الدهاء والمكر ، إلاّ أن لها مكانتها المرموقة وتطبيقاتها العملية المعتبرة في الفكر الميكافيلي الوصولي الرهيب .
فأنّى شطّرت وجهك ستصادف أمامك عاجلاً أو آجلاً من يؤمن بهذه الحكمة " الجهنميّة " ويحاول أن يستثمر مفاهيمها بشكلٍ أو بآخر ، لأنّ لكل شخص مبرراته التي تدفعه لتسلق السلوك الذي تنطوي عليه هذه المقولة ، بل لربما هناك من يقوم بالدور الفاعل الذي يترجم الفحوى كما يجب دون أن يدري ، أو أن يُخطط لذلك .
وفي عالم السياسة حيث العلاقات البراغماتية ، والصراع من أجل بسط النفوذ والهيمنة والقوة بأشكالها المختلفة ، ومظاهرها المتعددة ، ربما تقوم دولة ما بإحتلال دولة أخرى لسبب أو لآخر متخطية بذلك السلوك الأرعن كافة القيم والمعايير والأعراف الدولية ، أو أن تقوم بالإحتيال إن هي عجزت عن تحقيق مآربها بالإحتلال وفقاً للسناريوهات التي ترى أنها تصب في تحقيق الأهداف المنشودة وتضمن لها مصالحها الغير مشروعة إلاّ في شرعها الباطل بأي صورة كانت ، واضعة كل القيم والأعراف والمبادئ تحت أقدامها !!
أمّا في العلاقات الإنسانية فإنّ المرء لا يمكنه أن يتقبّل مثل هذا السلوك المشين ، ولا أن يتبادر إلى ذهنه أن هناك من بين أبناء آدم وحواء من يمكن أن يقوم بممارسة سياسة الإحتلال أو الإحتيال في علاقاته الإنسانية من أجل تحقيق مآربه من أخيه الإنسان .
بيد أنّ الواقع مع كل أسف يعكس غير ذلك الظن البريء والطبيعة الآدمية السمحة ، فالإحتلال ضارب بأطنابه الصلبة في كل اتجاه وفي أشكل متعددة ، حيث الوصايات الأنيقة ، وثقافة الأخ الأكبر، والنموذج الأبوي في الأسرة من حولنا وهو " تركيز السلطة في الذكور دون الإناث " والرغبة الجامحة في السيطرة والتحكم باسم الحب وتحقيق المصلحة ، والأستذة ، وغيرها من نماذج ومظاهر العلاقة التي لا تقوم على القناعة والإختيار والتراضي، بل إنّ أساسها هو سيطرة القوي على الضعيف ، والكبير على الصغير، والمانح على الممنوح، والفاضل على المتفضل عليه، والأستاذ على التلميذ ، مع الإقرار بأهمية الإلتزام بالإطار العام للتراتبية القيادية الصالحة في محاضنها المشروعة على كل حال .
ربما تكون قد صادفت في مشوار حياتك من حاول إحتلالك والسيطرة على قرارك ومصادرة حقك في التفكير والإختيار ، وقد يكون هناك من حاول أن يحيك ضدك المكائد والفتن والإشاعات المغرضة عندما فشل في اختراقك من العمق ، ولم يتسنى له أن يجتاز حدود يقظتك ، أو أن يحطم حائط صدك ، وربما تكون قد دفعت الكثير من صحتك ووقتك ومالك من أجل أن تنجو بجلدك من صلف أحدهم هنا أو هناك ، فلا تحزن على ما فات وانظر إلى تلك التجربة المريرة على أنها درس خصوصي من دروس الحياة التي لن تنتهي ما دام في جسدك عرقٌ ينبض . تحياتي .