التخوين الوطني لماذا ؟
لا شك يا معالي وزير الإعلام السعودي بأنك متابع ومطلع لما يكتب ويبث في وسائل الإعلام المحلية، والخاضعة قانونياً وأدبياً لوزارتكم ومهامها. الجميع يعلم بأن حدود حرية الكتابة تتوقف عند التعدي على حدود الآخرين، فكيف بقذفهم واتهامهم بالخيانة الوطنية!! فقد طالعتنا بعض الصحف السعودية في الآونة الأخيرة بمقالات وتصريحات أقل ما يقال عنها أنها جريئة في التعدي على طائفة من المواطنين الشيعة وتشكك في ولائهم لوطنهم، بل بعضها يتهمهم بالخيانة الوطنية!! أكتفي هنا بالإشارة إلى مقالين نشرتهما صحيفتان، الأول مقال بعنوان "الطائفية بين سندان الواقع ومطرقة الولاء" في عدد يوم الأحد الموافق 13/11/2011 للكاتب عبد الله الشمري في جريدة الحياة، والثاني مقال في جريدة الجزيرة بعنوان "تمويل اللوبي الإيراني في السعودية " في عدد يوم السبت الموافق 12/11/2011 للكاتب فضل بن سعيد البوعينين.
معالي الوزير: المقالان أنموذجان صغيران لما تنشره صحافتنا السعودية. خلاصة المقالين: مقال الحياة يعتمد على وثائق "ويكي ليكس" ليتهم رموزاً من شيعة السعودية بالخيانة الوطنية وبالتواطؤ مع الأجنبي وتمزيق الوطن. أما مقال الجزيرة فيتهم شيعة السعودية صراحةً بأنهم يشكلون لوبيا إيرانيا ويتلقون أموالاً إيرانية لممارسة نشاطاتهم المعادية لوطنهم.
معالي الوزير: نقول في البدء إن هذه المقالات، من حيث المنهج، تعتمد على معطيات مشبوهة لتبني نتائج مؤكدة عند كتابها لأنها تقوم على أحكام مسبقة الصنع. وقولنا مشبوهة يعني: هي تقارير كتبها دبلوماسيون أمريكيون تعبر عن وجهة نظرهم الشخصية وينقلون أراء من قابلوهم. لو صدقنا على بعضنا ما قيل في تلك الوثائق لما بقى حجر على حجر في المنطقة. من جهة أخرى، إن كتابها لا يفرقون بين العمل السياسي والدبلوماسي وحدودهما والعمل الوطني وحدوده، فلو صحت تلك المعلومات، حينها، يجب على هؤلاء الكتاب تعلم التفريق بين عوالم العمل السياسي وعوالم التخوين الوطني. يعلم هؤلاء الكتاب عن حجم اللقاءات التي تمت بين السفراء الأجانب ومجموعة من النخب الليبرالية والإسلامية من الطائفة السنية، كما جرى مع النخب الشيعية، فلماذا التركيز على الثانية والانصراف عن الأولى؟
معالي الوزير: لا يخفى على معاليكم حجم احتقان المنطقة بالتشاحن الطائفي، ولكن أليس من المعيب على أقلام تدعي موضوعية الكتابة ثم تسقط في حفرة تدليس وتزويغ المعطيات، فتستل عبارات من سياقاتها في تلك الوثائق، لتطرحها في سياقات تصب في مكيال التخوين الوطني لمجموعة من المواطنين شهد القاصي والداني بوطنيتهم؟، أم أن حالة التشاحن الطائفي تُرجح كفة التهويل عند هؤلاء الكتاب؟ يلحظ على هؤلاء الكتاب ترجيح الحس الطائفي على الحس الوطني تجاه شيعة السعودية، فلا يميزون بين العلاقات السياسية التي تقيمها وتبنيها النخب في جميع المجتمعات وبين العداء للأوطان. إن المواطنة لا تلغي حقيقة وجود الطوائف على أرض الواقع, والانتماء للطائفة لا يعني اتهام الطوائف بعدم الوطنية. أما إذا طغى الحس الطائفي على الحس الوطني فالنتيجة الطبيعية أن يتحول كل فرد وكل جماعة نحو الاصطفاف الطائفي على حساب الاصطفاف الوطني. نتمنى أن لا يكون هؤلاء الكتاب في هذا السياق.
معالي الوزير: ما نتمناه في الختام هو ابتعاد الكتاب والصحف عن الاصطفافات الطائفية كي نجنب أمتنا ومجتمعاتنا فتناً إذا ما اشتعلت – لا سمح الله- أحرقتنا جميعاً. التشكيك في الذمة الوطنية والاتهام بالخيانة الوطنية بلا أدلة واقعية وملموسة هو قذف يستحق عليه كاتبه والصحيفة التوبيخ والمحاسبة والمحاكمة. ما نتمناه يا معالي الوزير هو أن ننصف بعضنا ونجد لبعضنا الأعذار فيما نسمع ونرى من مواقف وأقوال، ونحسن الظن ببعضنا، وإلا أصبحنا جميعاً أدوات لصب الزيت على نار الفتنة الطائفية الأخذة في التصاعد في المنطقة، نسأل الله نجاتنا وبلداننا منها.