عندما انتصر الدم على السيف
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .
لقد شاهدنا في ثورات الربيع العربي كيف استعان طغاة العرب بسياسة النار والحديد لإسكات صوت شعوبهم وإخماد ثوراتها ، إذ كانوا مسكونين بالهاجس الأمني تجاه أي حراك مطلبي لشعوبهم ، فكان النهج الأمني هو الحاكم في سياسة التعامل مع هذه المطالبات ، إلى حد استنفار واستدعاء كامل قوتهم وبطشهم لقهر وإسكات شعوبهم المنادية بحقوقها .
إلا أن هذه العقلية في التعامل مع ملفات الشعب الحقوقية هي ذاتها أطاحت بهم وأسقطتهم، ذلك وببساطة لان النظام المستبد يرتكز في قوته ويراهن لبقائه على سياسة القمع والقتل ، فإذا ما اسقط الشعب وافشل هذا السلاح ، فلا جدوى حينئذ لهذا السلاح ولا قوة تبقى بعدها لهذا النظام ، وهذا ما فعلته شعوب الربيع العربي ، فقد استطاعت أن تجعل من الاستشهاد سلاحا في وجه غطرسة المستبد مما افقده هيبته وسلطته .
الطغاة لا يملكون إلا سلاح التخويف والبطش والقتل في مواجهة ثورات شعوبهم ، فإذا ما قابل الشعب هذا البطش والقتل بثقافة الاستشهاد وصار لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه حينها سيسقط سلاح الطاغية من يده ويفشله وستكون بداية نهايته .
كربلاء الحسين عليه السلام ، هي التي علمتنا أن روح الاستشهاد هي السلاح الفاعل للشعوب المقهورة أمام طغيان جبابرتها ، وهي الروح الكفيلة بجعل الدم ينتصر على السيف ، فتاريخ كربلاء التي يستقبلنا بعد أيام ذكرى بطولاتها وملاحمها ، لا زال يحتفظ لنا في ذاكرته موقف إمامنا زين العابدين عليه السلام أمام طاغية الكوفة "عبيد الله بن زياد" حين شهر بوجه الإمام سلاح التخويف و القتل .
هذا الطاغية الذي لا يعرف في سياسته إلا التخويف والبطش والقتل ، ولا يتعاطى مع شؤون الناس إلا بالسياسة الأمنية ، قد استهل عهده في الكوفة بذات النهج وذات السياسة سياسة إسالة الدماء والقتل ، وكان إمامنا السجاد عليه السلام حينها للتو قد جيء به أسيرا من معركة طاحنة أتت على كافة رجالات أهل بيته ، أبيه وعمه وإخوانه وبني عمومته وأصحاب أبيه عليهم السلام أجمعين ، ولم تبقى إلا النسوة وبعض الأطفال ، فحسب الطاغية أن سياسته فعلت فعلتها في قلب الإمام عليه ا لسلام ولن يجرؤ على شيء، فلما سمع من الإمام كلاما أراد أن يخرسه آمرا بضرب عنق الإمام عليه السلام ، إلا أن الإمام زين العابدين عليه السلام اسقط سلاح التخويف والقتل للطاغية بن زياد حين أبدى أمامه استعدادا لا متناهيا للشهادة بمقولته الشهيرة ( أبالقتل تهددني يابن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة ) (1) .
مدرسة كربلاء هي التي أسقطت الدولة الأموية حين الهمت الأحرار روح الاستشهاد فأسقطت بذلك من يد الطغاة سلاح تخويفهم وبطشهم وقتلهم ، إذ لم يعودوا قادرين على إسكات الأحرار وإخماد حراكهم مهما أعملوا فيهم آلة القتل والبطش والتنكيل ، إلى أن سقطت دولة الطغيان الأموي .
إن روح الاستشهاد هي سلاح الأحرار العزل أمام غطرسة الطغاة الجبابرة ، فبهذه الروح وبهذه الثقافة سينتصرون لحقوقهم وسينزلون الهزيمة بطغاتهم المستبدين المستأثرين السالبين لحقوقهم ، ليسقون بدمائهم شجر حريتهم .. فهكذا انتصر الدم على السيف ، والصدر العاري على رصاصات الجبناء.