الفتيات والأكواب الفارغة
كثيراً ما نتحدث حول كربلاء عن الحسين وأصحابه، ولعل الغفلة تصيبنا فلا نعطي لبنات الحسين ومن كن معه ولو وقفة صغيرة خجولة، أولم يكن لهن دور أم إن البخس من ديدن الرجال خصوصاً فيما يتصل بتاء التأنيث؟!، هل كان لحملهن إلى كربلاء من معناً؟!
وجوه مشرقة عديدة تطالعنا ونحن نتصفح تاريخ الطف، من أبرز تلك الوجوه فتيات بريئات يحملن عبق النبوة وألق الرسالة كــ : فاطمة العليلة، وحميدة بن مسلم، ورقية بنت الحسين، وسكينة شقيقتها وغيرهن ممن حمل مع الحسين صوت السماء الخالد ..
الإجحاف بالأنثى ديدن العرب والوأد من شيمهم وتقزيم ربات الخدر من عاداتهم، رغم أن للخنساء وزرقاء اليمامة دور لا تنكره فحول الجاهلية، فلماذا تعيش في ربوعنا ثقافة الوأد لهذه الأم " المدرسة "، والفتاة الصغيرة هي اللبنة الأولى لمشروع الحضارة، فهي الفسيلة والبدرة التي منها نجني منها الشجعان والأبطال ..
البنت الصغيرة اليوم بعد عقد ستكون مربية الجيل المقبل، فماذا قدمنا لهؤلاء البنيات؟! أم أن الثقافة السلبية ضد نون النسوة مازالت تطاردنا منذ القماط وحتى الكفن ؟!
لنقف أمام شرفة الطف لنشاهد تربية الحسين لهذه الشريحة، فهذه فتات الحسين تفرش سجادة أبيها دون أن تحمل في معصمها "ساعة" أو منبه، إنها تفقه مواقيت الصلاة بدقة في زمن أضيعت الصلاة فضلاً عن مبادئها، بل وتمارس دور الإرشاد والدعوة والإعلان الفعلي لاستقبال الرب الجليل..
وقفة أخرى مع الإيثار الذي يتدفق في صدورهن فالطفلة العطشى هناك حينما يصلها الماء تنطلق به نحو المعركة لتسقي الحسين وهو جثة هامة من غير رأس!!، يعلمنا الحسين فنون التربية مع الصغيرات، فجواده حينما يأبى التقدم يهبط ليعالج شغف أحدى بناته رغم تعبه وإرهاقه، وحميدة لوحة مشرقة أخرى يتدفق عليها ألوان العطف - بعد مصرع أبيها - ويزرع في قلبها أشجار ونخيل الأنس، ينتزع الشوك من مسرح المعركة حتى لا يؤلم الصغار لحظة الفرار، يتفقد الصغيرات واحدة تلو أخرى، ولا يغفل عن سكينة التي لم تحضر لوداعه، فيقدم لها اللذيذ من الكلام، يعلمنا الحسين ثقافة الإرواء العاطفي الذي تفتقده الكثيرات، فيصرح بمحبته علاناً : (لسكينة وأمها الرباب)، الحسين ليس دمعة فقط، بل منه نستلهم فنون التربية والذكاء العاطفي الذي يتباهى به الغرب متأخراً.