الجاسوسية والدائرة الخضراء
يتجسس كما ينفث السيجار، ويجمع من الحطام قبالة تلكم الأسرار التي وضعها بين يدي الرقيب، مهنة لا تكلف شيئاً، فقط بعض كلمات لترى أن الجيوب ملأت والكروش تدلت، ولكن ماذا عن الآخرة؟! لقد باعها بالزهيد من الدراهم والدنانير، بارع في سوق الأخبار وامتصاصها كالأسفنج الذي يبتلع الماء، يدخل بين الناس كسوسة حاذقة بين الأسنان، فيتزلف للسلطة ويتواصل معها ليكون الرقم الأول في عالم الجاسوسية !!
لا مانع أن يكون أيّ شيء : " إبرة، دبوس، مسمار،..." ما يهمه أن يتلصص السمع ويراقب التحركات، ويحضر الاجتماعات، فيتلون كل يوم بشكل ويتزركش كل لحظة بزي، فهو كالحرباء تتناسق مع الجو المحيط، لتقطف من ثمار شجرة الزقوم الأثيم، ويتطور مع تطور الزمن فيشرب الشاي وهو يطالع الفيس بوك، لتقبض شراكه على هذا وذاك، وكيل الاستخبارات ثقته، وراتبه يزداد كل عام، ويزيد الله عليه من الدركات في نار جهنم !!
هم مدنيون في ثيابهم وحركاتهم، إلا أنهم عيون لمن يدفع أكثر، يتنصت على الآخرين ليقدم المعلومات، فهو وكالة "ويكيلكس" المتقنة في سوق الأخبار، ملأت الصدور خوفاً من تلك الشريحة المندسة بين الناس رهبة من " أذن البلاط"، حتى أضحت الجدران لها آذان عند العوام، وإياك من زلة اللسان، فهي أقصر الطرق للإعدام !!
حذرنا القرآن من هذا الداء بقوله : " ولا تجسسوا"، ولكن العمل بالقرآن أمسى لفظياً من غير واقع، ولعل " معقل" نموذجاً مصغراً لجواسيس العصر، أولم يحبط هذا الجاسوس ثورة مسلم، فلقد تمكن من الوصول إلى المخبأ وإذاعة الخفايا قبل أن تقلب الطاولة، لقد استطاع "كيس الذهب" أن يذهب بالعقول، فانقلبت الكوفة المناصرة سباقة بالبوح بكل ما تعلم عن ابن عقيل حتى تحظى بالقليل مما في يد ابن زياد، الجشع ساور الكثيرين منهم "بلال" ابن طوعة إذ كشف اللثام عن حصن مسلم الأخير، وسقطت ورقة التوت..
بريق الدولار الذي يفرق على المعدمين والطامحين للثراء السهل، لعبة قديمة حديثة بيد الشياطين لتقويض حركة المناضلين المجاهدين، فليهنأ الجاسوس ومن يحترفون هذه المهنة التعسة، ولتستطيب لهم الموائد، فإنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا..