موعد مع حزن آخر ( 1- 2 - 3 )
(1)
كان لي موعد اليوم الثلاثاء مع حزن آخر جديد، حيث فقدت صديق عمري، صاحب الأيادي البيضاء، العبد الصابر المحتسب، المهندس جاسم حسن آل قو أحمد.
قبل غروب الشمس ووري جثمانه الثرى، فغيبه اللحد عنا بعد أن كان ملء السمع والبصر.
صديق عرفته في ميعة الصبا وريعان الشباب وذبول الكهولة فلم يكن بيننا إلا الود والصفاء.. لم نختصم يوما أبدا.. كان الحب والاحترام والإخاء سيد العلاقة بيننا دائما.
سأعود للحديث عنه لاحقا إن شاء الله، حيث لا تزال الكلمات منهدة الركن مثلي..
ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين.
إلى روحه وروح الفائزة السعيدة رحم الله من يقرأ الفاتحة.
(2)
في اليوم التالي لوفاة زوجتي رحمها الله، كان أخي وحبيبي المرحوم المهندس جاسم قو أحمد في ظروف صحية صعبة للغاية، إلا أن خلقه الكريم ووفاءه العظيم أبَيا عليه إلا أن يرسل رسالة أعقبها فيما بعد باتصال هاتفي عبر فيه عن عميق مواساته، وعن رغبته في الحضور شخصيا للعزاء.
شكرته على مشاعره الصادقة، وأصررت عليه أن لا يحضر مراعاة لظروفه، وسألته أن يخبرني متى ما تحسن حاله واستطاع مقابلة الأصدقاء كي اقوم بواجب الزيارة تجاهه.
أما نص رسالته فيكشف عن سمو روحه ورباطة جأشه ونبل مواساته وجميل صبره على الآلام المبرحة التي كانت تعصف بجسده الهزيل بسبب استشراء المرض العضال.
يقول في رسالته:
صبرا أبا أحمد صبرا.. يقيني أنك صابر لأنك معلم الصبر وأستاذه.
كلنا لقضاء المولى صابرون محتسبون، نتلذذ الصبر طعاما شهيا.. سبحانك يا رب سبحانك.. إن في قضائك ما تحتار فيه العقول إلا أننا له مسلمون لعلمنا أنه من رب رؤوف رحيم.. رحماك يا رب رحماك.. رحماك بالأيتام والفاقدين الأقربين.. إلى الخلد وجنات النعيم يا أم أحمد.. أنتِ في ضيافة أكرم الأكرمين ضيافة أبدية..
لقد اعتصرتني العبرات والدموع اليوم مرتين، مرة لفقد فاعلة الخيرات المؤمنة العاملة العابدة أم أحمد، وأخرى لعجزي عن الوقوف جنبا إلى جنب واخي الغالي والعزيز الصبور أبو أحمد في مصابه الجلل.. اعزيك يا أخي المؤمن المحتسب وأهل بيتك وقرابتك وقرابتها ومحبيكم.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.. أخوك جاسم.
حبيبي جاسم: عدتُ اليوم للبيت وقلبي مثقل بالحزن ودموعي الحارقات تحاول أن تبرد بعض لهيبي.. دخلت البيت وكنت أتوقع أن أرى الفائزة تحتضنني وتواسيني فيك، كأني نسيت أنها سبقتك، فناديتها: تعالي، كم أحتاجك اليوم فقد فقدت صديق عمري.
(3)
أي نفس كبيرة تلك التي تتسامى على آلامها وعذاباتها في أقسى اللحظات وأصعبها فتواصل بعث رسائلها الإيجابية لكل من حولها.
تلك هي نفس (جاسم) الذي كان في رحلته العلاجية في أمريكا أثناء الانتخابات البلدية الأخيرة. كان رحمه الله كعادته متابعا لمجريات الأحداث في مجتمعه ووطنه، مهتما بالشأن العام برغم ظرفه الصحي الصعب. وكان لا ينسى أصدقاءه كل جمعة تقريبا من رسائل يود مستقبلها شم حروفها ولثم كلماتها قبل أن تتس...رب إلى شغاف القلب وتستقر في سويدائه.
لا أريد هنا أن أستعرض نماذج مما يمكن أن أسميه (الجاسميات).. بل سأعرض رسالة خاصة بعثها مهندس الحب والعطاء إلى صديقه المهندس الأستاذ عباس الشماسي بعد فوزه في الانتخابات البلدية في محافظة القطيف.
هذه الرسالة لم تكن رسالة تهنئة عادية، فهو لا يرضى بالعادي، وإنما يبحث دائما عن التميز والتفوق وتقديم الأفضل حتى في ساعات الشدة العسيرة.
هي رسالة تحمل العديد من المضامين والمعاني السامية؛ معنى الصداقة الصادقة، معنى الوفاء، معنى الأخلاق النبيلة، معنى استثمار الفرصة السانحة لإلقاء الكلمة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
هي رسالة تحمل رؤية (جاسم) وفلسفته في النجاح والحياة الناجحة، وهي رؤية جديرة بالتأمل والاحتذاء.
تقول الرسالة:
الأخ العزيز المهندس عباس الشماسي
من أمريكا أبعث لكم أجمل تهنئة بمناسبة فوزكم بمقعد في المجلس البلدي.
أسأل الله تعالى لكم النجاح والتوفيق والسداد.
- النجاح جبل لا تستطيع صعوده ويداك في جيبك.
- إذا صعدت الجبل فانظر إلى القمة، ولا تلتفت إلى الصخور المتناثرة حولك.
- اصعد بخطوات واثقة ولا تقفز فتزل قدمك.
محبكم / جاسم قو أحمد
نيويورك.