هكذا كان يفعل " المهندس " !!
من المؤكد بأن الإعتماد المُطلق على الذكاء الشخصي والمرجعية الداخلية يؤدي إلى الإخفاق في مشوار الحياة بشكلٍ أو بآخر، والسبب بسيطٌ جداً وهو أن الإنسان مهما تراكمت تجاربه الشخصية، وعُظمت معرفته الحياتية والثقافية لا يمكنه أن يسقط تجارب الآخرين من حساباته أو يزهد في الإستفادة من خبراتهم ومعارفهم، كما أن الإعتماد الكلِّي على المرجعية الخارجية في إدارة الشئون الشخصية يؤدي إلى ضمور المهارات الفكرية ، ويتسبب في حرمان الشخص من إستثمار قدراته الكامنة التي أودعها الباري عزَّ وجل في عباده .
جميعنا يمتلك جينات للصفات المعنوية تُعد بمثابة مركز داخلي للمعرفة يكمن في داخلنا، ويبعث لنا بإشارات أو توجيهات تساهم في إرشادنا للإتجاه الصحيح، وتُعد تلك الإشارات معالم مُضيئة على إمتداد مشوار الحياة، لأنها لا تكف عن الوميض داخل عقلنا الباطن مُصدِّرة توجيهات وحُلول ومزودة كل منا بكل ما يحتاجه من إجابات، ولكن الأمر الأهم هو معرفة ما هو موجود بالفعل داخل مركز الإدراك، والإنصات إليه بدقة وتعزيز الثقة بالذات.
عندما تنصت بدقة يمكنك ضبط التردد الذي يبعث لك بالمعلومات التي تحتاجها في اللحظة المناسبة لإنقاذك ومساعدتك على إدارة أمور حياتك، وهذا يتطلب منك أن تكون في حالة ذهنية مستقرة لأنه إذا كان ذهنك مشوّشاً بصورة دائمة ، فغالباً ما ستجد صعوبة بالغة في سماع تلك الإشارات والتوجيهات المنبعثة لك بإخلاص من مركزك الداخلي، وربما تتمكن من سماعها ولكنك تقوم بتجاهلها لأنك لم تتعرف عليها بعد بصورة كافية، وبالتالي لا تستطيع تمييزها.
ولكي تتمكن من الإنصات بدقة وإحترام لمعرفتك الداخلية، فأنت بحاجة لإكتساب مهارات شخصية غاية في الأهمية مثل : الثقة، والإلهام، وتقدير الذات، كما يجب أن تتخلص من ضغط الآخرين عليك لجرك للحديث في لحظة استقبالك للرسائل الواردة لك من مركزك الداخلي، وأن تتعلّم فن الإسترخاء في اللحظات العصيبة أو الضاغطة حفاظاً على سلامك الآتي من أعماقك والذي يمثل البوابة الآمنة للدخول إلى ذاتك، والإتصال المباشر مع أحاسيسك ومشاعرك.
عظيمةٌ هي الصلة الوثيقة بالأعماق، ومفيدٌ هو الغوص في دهاليز الذات والتعرف على مكنوناتها النفيسة، ما الفائدة إذا كان المرءُ خبيراً في فهم نفسيات الآخرين، بينما هو يجهل ذاته ولا يدرك مقوماتها . كثيرٌ من الناس غالباً ما يتجاهل قوة الحدس لديه ويعتبر ذلك نزغٌ من الشيطان ، بينما يمثل ذلك مصدراً من مصادر الطاقة الإنسانية الهائلة التي إن أحسن المرءُ استغلالها والتفاعل المرن مع ومضاتها كانت طريق حياته أسهل مساراً وأكثر أمناً.
كم من لحظةٍ ندمت فيها على عدم الإصغاء للرسائل البليغة التي كانت تنبعث لك من داخل أعماقك ؟ وكم من موقف متعثر كان سيكون عليك سهلاً ويسيراً لو أنك لم تتجاهل الوميض الرباني الصادر لك من أوتارك ؟ فإن كنت قد بالغت في التفريط بإمكانياتك فقد حان الوقت الآن لإبرام عقد التصالح الأبدي مع ذاتك المُحترمة ، كما كان يفعل المهندس : جاسم " رحمه الله " وغيره من الناجحين الذين آمنوا بقدراتهم الذاتية التي أنعم اللهُ بها عليهم ، وتمتعوا بالسلام الداخلي فسَلِمَ الناسُ من يدهم ولسانهم ، وعمّ عملهم الصالح . تحيّاتي .