زمن التعصب أم زمن التعايش

اقرأ للكاتب أيضاً
اقرأ أيضاً


 

قال تعالى في كتابه الكريم :﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

مع وضوح رؤية الاسلام في القبول بالآخر , والاعتراف به , والتعايش معه , وان كان مغايرا في الدين والمبدأ , ومع شدة التحديات والأخطار التي تحيط بالأمة الاسلامية في هذا الزمان , ومع أننا نعيش عصر النفتاح والتقدم العلمي , فان ثمة داء مقيتا لا يزال ينخر في كيان أمتنا الاسلامية , فيقعد بها عن النهوض , ومزقها ويمنعها من التوحد ولم الشمل .

ذلك الداء الخطير هو التعصب المذهبي , حيث تسود أجواء الأمة تشنجات طائفية مذهبية في العديد من البلدان والبقاع . وقد قال النبي : "لس منا من دعا الى عصبية , وليس منا من قاتل على عصبية , وليس منا من مات على عصبية" .

كثير من مناطق العالم الاسلامي يعيش أبناؤها تنوعا مذهبيا , لكنهم يعجزون عن التعايش والانسجام فيما بينهم , ودينهم واحد , ووطنهم واحد , فيحدث بينهم التنافر والصراع , وتقع حالات من الضطهاد المذهبي , والتمييز الطائفي , فهل الاختلاف في المذهب مبرر لذلك ؟

ان المذاهب الاسلامية على تعددها تستقي من ينبوع واحد , هو الكتاب والسنة , , وتتفق على أصول واحدة مشتركة , هي الايمان بالله والنبي محمد وبالآخرة , ويتجه أبناؤها الى قبلة واحدة , هي الكعبة المشرفة , وكلهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويحجون البيت ويصومون شهر رمضان , كما انهم ورثوا التعدد المذهبي من أسلافهم , ولم يخترعوه في هذه العصور المتاخرة .

وحينما يكون النتماء المذهبي للمواطنين المسلمين متنوعا , فان أمامهم عدة خيارات  , للتعاطي مع هذا التنوع والتعدد :

الخيار الأول : أن يسعى أتباع كل مذهب لفرض مذهبهم على الآخرين , وهذا مالا تؤيده الشريعة السمحاء حيث قال تعالى "لا اكراه في الدين" وقال جل جلاله : "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" , وهناك محاولات يذكرها التاريخ ان بعض الجهات حاولة ان تفرض مذهبها على الآخرين لانها تمتلك القدرة والقوة ولكن لم يكن تأثيرها الا محدودا وفي مدة معينة.

الخيار الثاني : التعبئة الطائفية : حيث تسود حالة التشنج والعداء , والقطيعة والتنافر بين ابناء المجتمع , وتقوم الجهة المقتدرة باضطهاد الجهة الأخرى , وهكذا ينتهي المجتمع في صراع داخلي وقد ينتهي الى حرب أهلية .

الخيار الثالث : هو التعايش بأن يعترف كل طرف للآخر بحقه في التمسك بقناعاته ومعتقداته , وممارسة شعائره الدينية , ويتعامل الجميع كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات , متعاونين لتحقيق المصلحة العامة ومواجهة الاخطار المشتركة .

والخيار الثالث هو مايدعو اليه العقل والمنطق السليم , وتفرضه طبيعة الاشتراك , ضمن وطن واحد , وكما يقول الامام محمد الباقر "صلاح شأن الناس التعايش"