وجدانْ بدرْ الشبيبْ
تختلف الفجائع على مدى الحياة وتختلف تبعاً لذلك في ظواهرها ومشاكلها والتي غالبا ما ترتبط بالعمر وذلك لاختلاف المهارات المعرفية والعاطفية. حيث تكون ردة فعل الأطفال على خسارة أحد الوالدين مختلفة عن سواها من ردات الفعل للأحداث المماثلة الأخرى. فتكون ردة الفعل على نوع من الفجائع طبيعي جدا ولكن نفس ردة الفعل هذه قد تكون مشكلة في فجيعة أخرى.
من هذه الفجائع : فجيعة فقد الشريك، فعلى الرغم من أن وفاة الزوج " ذكراً كان أو أنثى " يُعتبر تغييرا متوقعا، إلا إنه يُمثل خسارة قوية ولا سيما لشخص أليف ومحب، فالزوج يصبح كلا منهما جزءا من الآخر بطريقة فريدة من نوعها : فيصف كثير من الرجال والنساء الأرامل حالتهم بأنهم فقدوا 'النصف' الأخر من أنفسهم. فبعد زواج طويل، ، قد يجد الرفيق صعوبة في استيعاب أن يبدأ من جديد، مما يعني أنه بالإضافة إلى التعامل مع الحزن الكبير وتغيرات الحياة، وتحمل مسؤوليات إضافية. قد تصبح أيضا العزلة الاجتماعية واردة، حيث يجد العديد من الأزواج صعوبة في التكيف مع الهوية الجديدة للأرمل بصورة أو بأُخرى وفقاً لمستوى ودرجة الخبرة الحياتية لكل زوج فاقد " أعانهُ الله " .
وهنا لا أجد غضاضة ولا حرجاً من التعبير عن إعجابي الشديد بالنضج الوجداني للأخ الغالي الأستاذ : بدر الشبيب، وذلك بعد أن إمتحنه الله عزّ وجل بفقد شريكة حياته، ورفيقة دربه، وأنيسته في حلِّه وترحاله، وأم أبنائه، الحاجة المؤمنة المرحومة " الفائزة الحرز " بصورة إدراماتيكية مؤلمة للغاية، وأنا هنا لست بصدد إثارة الأحزان لأنني على يقين تام بأن الجرح الغائر في النفس المسكونة بعشق الحبيب يمكن أن يتم التكيف معه، ولكن لا يمكن له أن يندمل بين عشيّة وضحاها، لا سيما مع حدث كهذا الذي يعيشه الصاحب " البدر " بصبر وإحتساب.
دعونا نتأمل سلوك " الرجل الموفّق " لتتضح لنا آية فكرهِ ونضجهِ الوجداني بعد ذلك الفقد الأليم. نعم، لقد إزداد إنتاجهُ الفكري، ونشط قلمهُ الرصين بصورة دانت له كل الحروف والكلمات، لم ينكفئ على ذاته، كما لم يسخط من قضاء الله وقدره، في إعتقادي أنه بات أكثر قرباً من المرحومة السعيدة من خلال هذه الإضاءات الوجدانية التي بات يترك قبساً منها في كل إتجاه، وحيثما حطّت قدماه دون كللٍ أو ملل، والأمر الذي يُعدُّ درساً خصوصياً لأمثالي هو أنك لا تلفاهُ إلاّ شاكراً، هادئاً، متفقداً لمن حولهُ، بل والأوفر حظاً لإشاعة الأمل من عمق المأساة !!
كم أنت كبيراً أيها " البدر الساطع " في عتمة الروح، وكم أنت ندياً بإيمانك الصلب وإرادتك التي تستعصي على الهزيمة تحت هدير الذكريات، إنني أعلم بأنك تعاني في صمت، وتجتهدُ كعادتك في تضميد جرحك النازف في أعماق وجدانك من أجل إسعاد الآخرين، تختار البسمة، والنكتة، والدعابة، لتنثرها على شفاه خلق الله ليعود إليك الإبتسام شآبيب رحمة فيطفئ لهيب الفراق في دائرة تأثيرك الملتهبة بأسئلة " محمد مصطفى " الذكيّة التي لا تنتهي.
ربما لامسَتْ كلماتي هذه بعض جوانب حكمتك، ونورانية تفكيرك الذي لطالما عشقتهُ منذُ الطفولة، ربما وفقني الله في تقديم نموذجٍ حيٍ لمهارات التعامل مع المواقف الصعبة في الحياة، أعتذر بعمق إن أنا أبكيتك - دون قصد مني - لأنني لم أتعود معك أن أدفن مشاعري كالنفايات السامة في جنح الظلام، أرجوك تقبّل عذري وأنت مبتسمْ كي أتقبّل فيك نفسي . تحياتي .