عجائب الحميمية
قد لا يكون هناك شعورٌ أعمق بالحنان من ذلك الذي عايشناه في رحم أمهاتنا الدافئ والآمن والساكن، فمنذُ لحظة الميلاد عندما انفصلنا عضوياً عن هذا الأمن وذلك الدفء، ظللنا نبحث باستمرار عن طريقة ما نعيد بها هذه التجربة الآمنة والدافئة بمشاعر الراحة والأمان. هذا هو أحد أسباب رغبتنا في أن نكون حميميين كأشخاص راشدين. بغض النظر عن كونها مُخيفة أو غير مألوفة بالنسبة لنا.
عندما نصبح مستغرقين في حب " من نثق بهم " وننفتح عاطفياً ومادياً على الأخذ والعطاء، نكون أقرب ما نكون لإستعادة تجربة الأمان والدفء التي عايشناها في الشهور الأولى من حياتنا، وبالنسبة للعلاقة الزوجية هناك الكثيرون الذين ينظرون لكلمة " الحميمية " بأنها مرادفة لكلمة الجماع، وأحد أسباب كون الجماع الشرعي مهماً لهذه الدرجة هو أنه يُخلق في أحياناً كثيرة من نفس مشاعر الدفء التي عايشناها في أرحام أمهاتنا. لكن جميعنا يعلم بأن الجماع المجرد من مشاعر الدفء والأمان يؤدي إلى الشعور بالإرتباك وعدم الإستقرار.
الحميمية الصحيّة الحقيقية لا تتحقق بيسر وسهولة، فالرحلة ممكن أن تكون طويلة وصعبة وبها الكثير من العوائق، ونحن نستمر في المحاولة إثر الأخرى لأنها تتيح لنا واحداَ من أعلى المستويات الممكنة للتجربة الإنسانية، وهناك تأثير فعّال ومذهل للحب في شفائنا يحدث بشكل تلقائي عندما يفتح كل منا قلبه وعقله للآخر.
إنّ عوائد الحميمية عظيمة وجذّابة لدرجة أننا نحصل عليها أحياناّ وهي ممزوجة بتجربة روحية رائعة، بل اننا قد نقع أحياناً في شرك توقُّع المثالية ممن نحب، آملين في أن يحل جميع مشكلاتنا ويجعل حياتنا ممتعة وجذابة بكافة المقاييس، وهذا يؤدي بالتأكيد إلى الإعتماد المفرط على الغير وإدمان الحب وفي النهاية إلى خيبة الأمل والعزلة.
عجائب الحميمية الحقيقية مع شخص آخر يمكن أن تتم معايشتها فقط عندما نحقق مستوى عميقاً من الحميمية مع أنفسنا، ونتقبّل ذاتنا بما هي عليه لا كما يجب أن تكون، والإعتراف بقدراتنا ومهاراتنا وتقديرها حقَّ تقدير، والسماح كذلك لمشاعرنا المكبوتة أن تنطلق في العلن إلى من يهمه الأمر بثقة ومسؤولية وصراحة ووضوح.
من المهم بمكان أن يكون التزامنا نحو أنفسنا في مقدمة أولوياتنا، وهذا لا يعني الأنانية والحب المقيت للذات، بل يُعد ضرورة بالغة الأهمية لنتعاطى بفاعلية مع الآخرين. هب أن سيارة صديقك الحميم أو أحد معارفك قد توقفت فجأة على أحد الخطوط السريعة البعيدة وطلب منك الإسراع لمساعدته وخزّان الوقود الخاص بسيارتك كان فارغاً، فهل ستتجاهل هذا وتسرع إلى إسعافه؟ بالطبع لا . فأنت ستعمد إلى ملئ خزّان سيارتك بالبنزين قبل الذهاب إليه، بنفس المنطق كل واحد منا يحتاج إلى أن يهتم بحاجاته ورغباته الشخصية إلى حدٍ ما قبل أن يحاول إعطاء الآخرين، وهذا أهم مبادئ ومتطلبات تحقيق الحميمية الصادقة على الإطلاق.