حق الصلاة
فَأَمَّا حَقُّ الصَّلاةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنّهَا وِفَادَةٌ إلَى اللهِ وَأَنَّكَ قَائِمٌ بهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَإذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ كُنْتَ خَلِيقًا أَنْ تَقُومَ فِيهَا مَقَامَ الذَّلِيلِ الرَّاغِب الرَّاهِب الْخَائِفِ الرَّاجِي الْمِسْكِينِ الْمُتَضَرِّعِ الْمُعَظِّمِ مَنْ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ بالسُّكُونِ وَالإطْرَاقِ وَخُشُوعِ الأَطْرَافِ وَلِينِ الْجَنَاحَ وَحُسْنِ الْمُنَاجَاةِ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَالطَّلَب إلَيْهِ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِكَ الَّتِي أَحَاطَتْ بِهَا خَطِيئَتُكَ وَاسْتَهلَكَتْهَا ذُنُوبُكَ. وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.
بعد أن انتهى الإمام علي بن الحسن من الحديث عن حقوق الجوارح، انتقل إلى الحديث عن حقوق أخرى هي حقوق الأفعال وبدأها بحق الصلاة في نظرة حقوقية متميزة لأنها أولا تنطلق من الداخل إلى الخارج، أي من الدائرة الأقرب للإنسان وهي ذاته بجوارحها وأفعالها إلى الدوائر التالية المتمثلة في حقوق الآخرين؛ وثانيا لأنها تعتبر الأفعال من صلاة وصوم وحج وصدقة وهدي شخصيات لها حقها الذي يجب أداؤه، وبدون أدائها حقها تتحول إلى صورة فاقدة للروح والمعنى.
الحديث عن الصلاة لا يمكن استيعابه في هذه الأسطر القليلة، فهي منهاج الأنبياء، وآخر وصاياهم، وعمود الدين ووجهه، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل، وقربان كل تقي، وخير موضوع، وأفضل الأعمال بعد المعرفة، وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، وأول ما يُنظَر في عمله، "فإن قُبِلت نُظِر في غيرها، وإن لم تقبل لم ينظر في عمله بشيء".
وهي حصن من سطوات الشيطان، وكفارة لما قبلها، بها تُستنزَل الرحمة، ويُنتهَى بها عن الفحشاء والمنكر. وفي كل ذلك روايات شريفة.
ويكفي الصلاة شرفا أنها كانت قرة عين النبي الذي قال:" جعل اللهُ جل ثناؤه قرة عيني في الصلاة، وحببَ إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإن الجائع إذا أكل شبع، وإن الظمآن إذا شرب روي، وأنا لا أشبع من الصلاة."
وقد بين الإمام السجاد أن الطريق لأداء الصلاة حقها المفروض يكون في العلم بحقيقة الصلاة، وأنها صلة بين العبد وربه، بها يعرج الفقير المطلق إلى الغني المطلق.
فإذا استحضر الإنسان هذا المعنى وعرف أنه قائم بين يدي مالك الملك، جبار السماوات والأرض، تنعكس هذه المعرفة على جوانحه أولا وجوارحه ثانيا، فيصل بذلك إلى مقام الخاشعين الذين أثنى عليهم الكتاب المجيد.
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ ﴿المؤمنون﴾
وعندما سئل النبي وسلم عن الخشوع، قال: "التواضع في الصلاة، وأن يُقبِل العبد بقلبه كله على ربه".
حضور القلب هو الباب لأداء الصلاة حقها، وهو ما عبرت عنه الأحاديث بالإقبال على الله تعالى. يقول الإمام الصادق : "إني لأحب للرجل منكم المؤمن إذا قام في صلاة فريضة أن يقبل بقلبه إلى الله ولا يشغل قلبه بأمر الدنيا، فليس من مؤمن يقبل بقلبه في صلاته إلى الله إلا أقبل الله إليه بوجهه، وأقبل بقلوب المؤمنين إليه بالمحبة له بعد حب الله عز وجل إياه". ويقول أيضا: "إذا أحرم العبد في صلاته أقبل الله عليه بوجهه، ويوكل به ملكا يلتقط القرآن من فِيهِ التقاطا، فإن أعرض أعرض الله عنه، ووكله إلى الملك".
إن حضور القلب في الصلاة يعني الانقطاع عن الدنيا والتوجه إلى الله تعالى. فعن رسول الله ، قال:" من صلى ركعتين ولم يحدث فيهما نفسه بشيء من أمور الدنيا غفر الله له ذنوبه".
وقد ضرب لنا النبي وأهل بيته أروع الأمثلة في صلاة الإقبال والخشوع. فعن الإمام زين العابدين ، قال: "إن الحسن بن علي كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم".
إنه الشعور بعظمة الموقف بين يدي الله عز وجل، وهو ما كان يستحضره حتى في مقدمات الصلاة، فقد ورد في بحار الأنوار: كان الحسن إذا فرغ من وضوئه تغير لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه.
الحديث عن الصلاة يحتاج لمجلدات تشرح قول الإمام الصادق : "للصلاة أربعة آلاف حد". ألف عنه أحد علمائنا الأعلام (محمد بن مكي العاملي)، المعروف بالشهيد الأول (الألفية والنفلية)؛ في الألفية ذكر ألفا من واجبات الصلاة، وفي النفلية ذكر 3000 من مستحباتها.
فأين نحن من حق الصلاة؟!