حق الكبير
وَأمّا حَقُّ الكبيرِ فَإنَّ حَقَّهُ تَوقِيرُ سِنِّهِ وَإجْلالِ إسْلامِهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضلِ فِي الإسْلامِ بتَقْدِيمِهِ فِيهِ وتَرْكِ مُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْخِصَامِ ولا تَسْبقْهُ إلَى طَرِيقٍ، ولا تَؤُمَّهُ فِي طـرِيقٍ ولا تَسْتَجْهِلْهُ. وَإنْ جَهِلَ عَلَيْكَ تحَمَّلْتَ وَأَكْرَمتَهُ بحَقِّ إسْلامِهِ مَعَ سِنِّهِ فَإنّمَا حَقُّ السِّنِّ بقَدْرِ الإسْلامِ. ولا قُوَّةَ إلا باللهِ.
الحقوق الاجتماعية في الشريعة الإسلامية متعددة بتعدد الزوايا المنظور منها لصاحب الحق، كزاوية الأخ أو الصاحب أو الجار أو الشريك أو الخليط أو المعلم أو المتعلم أو الوالد أو الولد، وهكذا.
وفي هذا المقطع والمقطع الذي يليه من رسالة الحقوق يتحدث الإمام عليه السلام عن الحق منظورا إليه من زاوية السن. فهناك حق للكبير يقابله حق للصغير مما يؤكد النظرة الإسلامية المتوازنة التي تهدف إلى إيجاد مجتمع حقوقي يعرف كل فرد فيه ما عليه أولا وما له ثانيا.
عندما نطالع النصوص الحديثية الشريفة نجدها تؤكد على عمدة حقوق الكبير المتمثل في توقيره. والتوقير هو التعظيم، كما قال تعالى:﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا (9) سورة الفتح. وكما قال أيضا: مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)﴾ سورة نوح.
فالكبير يحتاج إلى إعطائه المكانة التي تتناسب وكبر سنه الذي يعطيه أقدمية وأسبقية في الإسلام على غيره ممن هم أصغر منه سنا، وفي هذا إجلال لمنزلة الإسلام.
ففي حثها على توقير الكبير تطرقت الروايات إلى الآثار العظيمة التي تحصل من هذا الفعل. فعن رسول الله : من وقر ذا شيبة في الاسلام آمنه الله عز وجل من فزع يوم القيامة.
وعنه أيضا: من عرف فضل كبير لسنه فوقره آمنه الله من فزع يوم القيامة. بل عد الإمام الصادق إجلال الكبير مظهرا من مظاهر إجلال الله تعالى: من إجلال الله عز وجل إجلال ذي الشيبة المسلم.
وقال أيضا: من إجلال الله عز وجل إجلال المؤمن ذي الشيبة ومن أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ، ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته.
ونظرا للتغير النفسي المصاحب للتغير الجسدي عند الكبير حيث الضعف وتأثيراته على مزاج المرء الذي يتجه نحو الحدة في أغلب الأحيان، وإمعانا في توقيره، فإن الإمام عليه السلام يوصي بجملة من الوصايا الأخلاقية التي تركز على بعض الممارسات السلوكية والآداب الاجتماعية المهمة في التعامل مع الكبير.
وهي:
أولا: ترك محاججته ومجادلته ومواجهته، فالكبير غالبا ما يصر على رأيه، ويصعب تغيير قناعاته، لذا لا بد من مداراته ومسايرته احتراما لشيبته، خصوصا في الأمور التي لا تقع في دائرة الحق والباطل، وإنما في مساحة الاختلافات المسموحة.
ثانيا: عدم تجاوزه أو التقدم أمامه في الطريق. ويمكن بالطبع استئذانه لذلك عند الضرورة.
ثالثا: عدم استجهاله، والمقصود بالاستجهال هو الاستخفاف به أو اعتباره جاهلا مما يشكل إهانة لكرامته وأذى نفسيا له .
وهذا ما قد يفعله البعض بمجرد امتلاكه شيئا من العلوم التي لا يكون الكبير ملما بها مثلا. فالمطلوب التواضع في كل الأحوال، وإعطاء الكبير الاعتبار المعنوي المناسب.
رابعا: تحمله واستيعاب ما يصدر منه من زلل، بل عليك أن تذهب إلى أبعد من ذلك بمقابلة جهله بالإكرام تعظيما لحق سنه مع إسلامه.
كم نحن بحاجة ماسة لمراجعة هذه النصوص لخلق لغة تفاهمية رصينة بين الأجيال، توقر الكبير وترحم الصغير.