الشيخ النائيني مدافعا عن الحرية والمساواة (3)

 

 

 

قام الشيخ النائيني في رسالته (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) بتشخيص ما أسماه قوى الاستبداد الملعونة، أي العوامل المنتجة للاستبداد، ورتبها كالتالي:

  • الجهل: والمقصود به هو "جهل الأمة بالحقوق والواجبات المتبادلة بينها وبين السلطة". فالجهل هو الذي يوفر البيئة المناسبة لظهور الاستبداد واستمرار بقائه، ولذلك يحرص المستبدون على تجهيل الناس ومنع وصول الوعي إليهم، لأنهم يدركون أن وعي الشعب بذاته وقدراته وما له وما عليه وبحقه في الحرية والمساواة والمشاركة يقلب الطاولة عليهم. إن لسان حال كل فرعون: مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) سورة غافر.

 

  • الاستبداد الديني: وحقيقته كما يقول الشيخ ( رحمه الله ) " عبارة عن إلقاء عباءة الدين على الرغبات والإرادات الشخصية البحتة، لبعض المتلبسين بزي العلماء". هذا الأمر ليس خاصا بأهل دين معين، بل هو مضطرد، إذ توجد دائما في كل ملة أو طريقة فئة طفيلية تحاول تحقيق مآربها الشخصية باستغلال الدين، وهو ما أكد عليه الإمام الحسين حين قال: إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا وَ الدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ.

ويقسم الشيخ أصحاب الاستبداد الديني إلى فئتين: مدلسين يمارسون التحريف والتضليل، وساكتين عن الحق مداهنين للباطل (لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)، وكلاهما صانع ومنتج للاستبداد.

  • سيادة رذيلة التملق والنفاق في المجتمع، حيث يصبح المتزلفون هم أصحاب الحظوة والحبوة، أما الأكفاء فإنهم مبعدون مغيبون عن ساحة الفعل والتأثير.

وفي تحليل عميق لآثار هذه الرذيلة، يقول الشيخ النائيني: " إن العلامة الأولى على فساد الحياة السياسية هو ظهور النفاق والتملق، ثم يتطور هذا الفساد – بعد ظهور ثمراته المبكرة – إلى الاختلاف وتفرق الكلمة بين الدولة والأمة، يتبعه التنافر والخوف المتبادل بين الحاكم وشعبه، ذلك أن إفراط المنافقين في غصب حقوق الناس، سوف ينعكس على صورة نفور من جانب الشعب ويأس من صلاح الحكومة".

  • تفرق الكلمة: والذي يأتي من وجهة نظر الشيخ كنتيجة للعوامل الثلاثة السابقة، ولكنه يكون سببا لضياع الحريات العامة وبقاء الاستبداد.
  • سياسة القمع والإرهاب لإسكات الأصوات المطالبة بالحقوق، ومنع إنتاج قوى جديدة.
  • سياسة تطبيع الاستبداد وجعله أمرا مقبولا ينبغي التعايش معه، وذلك من خلال إعادة صياغة الوعي الاجتماعي بالنسبة لعلاقات القوى داخله.
  • تسخير كافة إمكانيات الدولة ضد الشعب.

بعد هذا التشخيص لعوامل الاستبداد، يشرع الشيخ في وصف العلاج الملائم الذي تكون أول خطوة فيه هي مكافحة الجهل وبث الوعي السياسي، ثم القيام بالتربية الأخلاقية في الأمة، وإزالة أسباب التفرقة. ويقترح لتطبيق ذلك وسيلة عملية تتمثل في إنشاء ما أسماه مجامع علمية من أصحاب الكفاءة والنزاهة تخطط وتشرف على هذه المرحلة من العلاج.

هذا ما يتعلق بالعوامل الأربعة الأولى (الجهل، الاستبداد الديني، النفاق، تفرق الكلمة)، أما علاج الثلاثة الأخيرة فلا يحصل كما يقول " إلا باقتلاع شجرة الاستبداد الخبيثة، ومنع الظلمة من فعل ما يشاؤون".

شاعر وأديب