الشيخ النائيني مدافعا عن الحرية والمساواة (4)
في دفاعه المستميت عن الحرية والمساواة، يقول الشيخ النائيني في رسالته (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) موضحا أهميتهما في حياة الأمة وكونهما أصلين بما يمنحهما مرجعية في التطبيقات الخارجية:" إذا أردنا التأكد من فاعلية الحرية والمساواة، وما ينتج عنهما من ثمرات طيبة، فلننظر إلى تجربة الأسلاف.
فعندما كان هذان الأصلان المباركان مستحكمين في حياة الأمة في صدر الإسلام، لم يتردد المواطنون العاديون في توجيه النقد إلى الحاكم، أمامه وفي حضور العشرات من الناس، حينما ظنوا أنه ميز نفسه عليهم ببعض المال".
ويخاطب الشيخ النائيني المجتمع الإسلامي الذي ترتكز عقيدته على العبودية الخالصة لله وحده، لينبه إلى أمر هام قد يغفل عنه الكثيرون، وهو "أن تحقق معنى العبودية، لا ينحصر في القيام بأداء فروض العبادة المتعارفة في العرف الديني الخاص، مثل التوجه للمعبود وإقامة الصلاة له على سبيل المثال، بل تشمل أي خضوع تام من جانب واحد لآخر، خضوعا ينطوي على الاستسلام النفسي، المصحوب بالتنازل عن الحق الأصلي الذي وهبه الخالق للإنسان في الإرادة والاختيار الحر".
وهو بهذا يربط بين تحقيق العبودية بتمام معناها وبين الحرية، وقد حشد لإثبات ذلك الكثير من الأدلة من القرآن والسنة، ليخلص في الأخير إلى أن من أهم أهداف الرسالات السماوية ومن أجل الأعمال التي قام بها الأنبياء كان مساعدة الشعوب على نيل حريتها.
أما في معرض رده على المغالطات التي يثيرها بعض أنصار الاستبداد تمويها على الناس في مسألة الحرية وأنها تتوازى مع الدعوة إلى عدم الالتزام بأحكام الشريعة، فإنه يقوم بتفكيك العلاقة المزعومة بين الحرية التي هي مطلب إنساني ينشده المتدين وغير المتدين، وبين التحرر من الالتزامات الشرعية.
يقول في ذلك: "إن أصالة الحرية وارتباطها بالإنسانية، وكونها من ضرورات الدين، هو مما يعرفه كل عاقل بغض النظر عن دينه أو مذهبه، وهو مورد إجماع كافة الأمم والمجتمعات، على ما بينها من شدة الاختلاف في سائر الأمور، كما هو حال المسيحيين، بل حتى المجتمعات التي لا تدين بشريعة سماوية محددة.
فمع اختلافهم الشديد في مجال الأفكار، إلا أنهم نهضوا جميعا لاستنقاذ حريتهم فصارعوا الغاصبين، وابتلي بعضهم بأشد مما ابتلينا به من المصائب، وبذلوا من نفوسهم أضعاف ما بذلنا، حتى أقاموا أساس الحرية الوطيد".
هكذا قام الشيخ النائيني بتأصيل الحرية وجعلها هدفا سماويا يلبي حاجة تتعلق بالفطرة الإنسانية، سعى لتحقيقها الأنبياء والأئمة والصالحون على طول التاريخ لأن رسالتهم كانت تتلخص في استنقاذ الإنسان من عبادة الطواغيت كل الطواغيت.
وهكذا سعى أيضا إلى الرد على الشبهات والمغالطات التي تثار حول مفهوم الحرية.