حب فوق الزمَكان
من الحب ما ی?ون عابرا تنتهي صلاحيته بعد مرور وقت قصير، وذلك لأنه قائم على أسس هشة، أو على مصالح آنية، أو على روابط واهية. ومن الحب ما يدوم أطول ولكنه ينتهي أيضا إذا طال زمانه بانتهاء هذه الحياة الفانية، حيث ينتقل الإنسان إلى حياة أخرى لها أحكامها المختلفة عن هذه النشأة. ولذا يحدثنا القرآن عن انقطاع العلاقات التي كانت في أعلى المستويات، وهو مستوى الخلة أي قمة الصداقة والمودة، لتبقى العلاقة في الله وبالله ولله:
﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِين.﴾ الزخرف 67
وَ قَالَ الصَّادِقُ : أَلَا كُلُ خُلَّةٍ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا فِي غَيْرِ اللَّهِ- فَإِنَّهَا تَصِيرُ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
هذا يدعونا إلى إعادة فحص علاقاتنا المتينة القائمة على الحب للتأكد من صلاحيتها، وهل هي مؤقتة أم أنها فوق زمكانية، أي عابرة لحدود الزمان والمكان، أو بمعنى آخر: هل ستكون معنا في المواقف الصعبة أم ستتخلى عنا ونتخلى عنها، وتتبرأ منا ونتبرأ منها والعياذ بالله؟
الحب فوق الزمكاني هو كل حب منشؤه كذلك، أي فوق الزمان والمكان، ولا يتحقق هذا إلا في الحب المرتبط بالله تعالى، كحب الله وحب أوليائه الذين أمرنا بحبهم ومودتهم، بل كل حب روعيت فيه تلك الجنبة؛ جنبة ارتباطه بالله.
في الحديث عن جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): حُبِّي وَحُبُّ أَهْلِ بَيْتِي نَافِعٌ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ أَهْوَالُهُنَّ عَظِيمَةٌ؛ عِنْدَ الْوَفَاةِ وَفِي الْقَبْرِ وَعِنْدَ النُّشُورِ وَعِنْدَ الْكِتَابِ وَعِنْدَ الْحِسَابِ وَعِنْدَ الْمِيزَانِ وَعِنْدَ الصِّرَاطِ.
لذا فإن هذا الحب العظيم هو الذي ينبغي المواظبة على سؤال الله تعالى التوفيق للهداية له. فقد جاء في تفسير شواهد التنزيل لقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني التفسير التالي لابن عباس:
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَسْبَاطٍ وَ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ قَالَ: يَقُولُ: قُولُوا مَعَاشِرَ الْعِبَادِ: اهْدِنَا إِلَى حُبِ النَّبِيِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ.
أخيرا نختم بهذا الحديث البشارة الذي رواه الثعلبي في تفسيره والزمخشري في كشافه والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة:
- "ألا من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا.
- ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفورا له.
- ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائبا.
- ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الايمان.
- ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشره ملك الموت بالجنة ثمّ منكر ونكير.
- ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة.
- ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان من الجنة.
- ألا و من مات على حبّ آل محمّد يزف الى الجنة كما تزف العروس ؛لى بيت زوجها.
- ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنة والجماعة.
- ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه «آيس من رحمة اللّه».
- ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافرا. ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة".
نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعا حب محمد وآل محمد.
جمعة مباركة.. دمتم بخير.. أحبكم جميعا.