الطريق إلى حب الله
الإنسان مفطور على حب من أحسن إليه، وشكر ذي النعمة لديه. لذا يقول الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ *** فطالما استعبد الإحسانُ إنسانا
المشكلة في أحيان كثيرة أن الإنسان يكون في غفلة عن النعمة التي يتقلب فيها، فيغفل عن المنعم، فلا يؤدي شكره الواجب عليه. وقد يعلم النعمة ويخطئ في تشخيص المنعم، فيشكر غير مستحق الشكر.
فالمعرفة هي طريق الحب المؤدي للشكر الحقيقي المنبعث من القلب المتعلق بالمحبوب. وكلما ازداد الإنسان معرفة حقة، ازداد تعلقا وارتباطا حتى لا يشعر بشيء من كيانه في حضرة محبوبه.
في الرواية عن الإمام الباقر ، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ( ص ) عِنْدَ عَائِشَةَ لَيْلَتَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تُتْعِبُ نَفْسَكَ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقُومُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى- طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى.
هكذا يصنع الحب القائم على المعرفة بمقام المحبوب وصفاته وآلائه.
وفي تفسير القمي عن الإمام الباقر أيضا، قال: كَانَ نُوحٌ إِذَا أَمْسَى وَأَصْبَحَ يَقُولُ: أَمْسَيْتُ أَشْهَدُ أَنَّهُ مَا أَمْسَى بِي مِنْ نِعْمَةٍ- فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ- وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ- لَهُ الْحَمْدُ عَلَيَّ بِهَا كَثِيراً وَالشُّكْرُ كَثِيراً فَأَنْزَلَ اللَّهُ:﴿إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً﴾، فَهَذَا كَانَ شُكْرَهُ.
إذا عرفنا ذلك، استطعنا أن نفهم الرواية التالية عن الإمام علي بن الحسين، قال:
أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى حَبِّبْنِي إِلَى خَلْقِي، وَ حَبِّبْ خَلْقِي إِلَيَّ. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَفْعَلُ قَالَ: ذَكِّرْهُمْ آلَائِي وَنَعْمَائِي لِيُحِبُّونِي، فَلَئِنْ تَرُدَّ آبِقاً عَنْ بَابِي، أَوْ ضَالًّا عَنْ فِنَائِي، أَفْضَلُ لَكَ مِنْ عِبَادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ بِصِيَامِ نَهَارِهَا وَ قِيَامِ لَيْلِهَا.
المطلوب إذن أن نقوم ببعض الممارسات العملية التي تذكر الآخرين بنعم الله التي لا تحصى كي يُقبلوا على حبه تعالى؛ وهو حب تعود منفعته على الإنسان ذاته، لأن الله هو الغني الحميد.
إن الإنسان لا يمكن أن يكون داعية إلى الله تعالى، يحبب الله إلى الخلق، حتى يكون متخلقا بأخلاق الله أو سائرا جادا في هذا الطريق.
لا أدري كيف يمكن لدعاة الكراهية أن يزرعوا في الناس حب الله، وهم لا يحسنون سوى لغة الشتم والسباب والعنف.
لا أدري كيف يمكن لأحد مثلا أن يعلم أبناءه أو من حوله حب الله، وهم لا يرون فيه سوى جبار عنيد.
إن أفضل طريقة للدعوة إلى الله وتحبيبه إلى خلقه هي أن تكون أفعالنا منطلقة من ذات مغمورة بالحب. هذا ما عبر عنه القرآن أفصح تعبير حين تحدث عن النبي فقال:
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128)﴾ سورة التوبة.
وقال تعالى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾ سورة آل عمران.
دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..