توطئة وتشويق
﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (3) القصص، هذه الآية المباركة هي بمثابة التوطئة للقصة التي ستذكرها الآيات التالية من السورة نفسها.
لقد تفرقت فصول قصة موسى عليه السلام بين عدة سور كبقية قصص الأنبياء، إذ إن القرآن ليس كتابا قصصيا، بل هو كتاب هداية يذكر في كل سورة من القصة ما يناسب موضوع وأجواء السورة.
الاستثناء الوحيد من ذلك قصة نبي الله يوسف عليه السلام التي اختصت بها سورة واحدة.
القصة القرآنية ليست من نسج الخيال، ولا يشوبها شيء من التحريف، لأن مصدر القصة هو الله ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ﴾ ، فهي وحي من الحق ﴿بِالْحَقِّ﴾ الخالي من الأساطير والأوهام والأكاذيب والخرافات، ولعل في هذا إشارة إلى قصة موسى عليه السلام المحرفة في التوراة.
في هذه الآية المباركة العديد من الدروس التي يمكن أن نستفيدها منها:
1- قوله تعالى: ﴿مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ﴾ : (مِنْ) هنا تبعيضية، إشارة إلى أن المذكور ليست القصة بكل تفاصيلها، وإنما بعضها الذي يتناسب والسورة، فالقرآن ليس كتابا تاريخيا أو سردا لسيرة ذاتية حتى يعنى بالحوادث اليومية وجزئياتها.
أما النبأ فهو خصوص الخبر الهام العظيم؛ فالقرآن يذكر من القصة الأحداث الهامة التي تستخلص منها العبر على مدى الأزمان. وفي هذا درس لنا أن لا ننشغل بتفاصيل الحياة غير الهامة حتى لا نضيع الهدف في زحمة التفاصيل، وأن نتعلم الدقة والتركيز والاقتصار على ما يحقق الهدف والفائدة.وما أحوجنا لهذا في عصر كثرت فيه مضيعات الوقت ومشتتاته وقاتلاته، وكأن العمر غير محدود بأجل، وكأننا لا نسير إلى هدف ننتهي إليه ذكره القرآن بقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾.
2- حين يأتينا خبر هام ينبغي علينا أن نفتش عن مصدره، أو كما يقول أهل الحديث أن ننظر في سنده، ثم نبحث ونناقش نفس الخبر ومدى صدقه وحقانيته، وهو المعبر عنه بالمتن. نستفيد هذا من قوله ﴿نَتْلُوا﴾ فالمصدر هو الحق تعالى، ومن قوله ﴿بِالْحَقِّ﴾ حيث المتن ملابس للحق.
3- ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾: إن من لديهم الاستعداد والقابلية للاستفادة من القرآن وقصصه وعبره هم وحدهم الذين هيئوا نفوسهم وأرضياتهم بالإيمان لتلقيه، أما غيرهم فكالأرض المتوحلة أو القذرة لا يزيدها المطر إلا توحلا واتساخا.
هذا ما يؤكد عليه القرآن في عدة مواضع، منها:﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً﴾ .
﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ.وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ.﴾