عطايا الحب الخاصة
العطايا الخاصة هي تلك التي تعطى وفق شروط معينة لمن يكون لها أهلا. أما العطايا العامة فهي كالشمس المشرقة على البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وكالمطر النازل من السماء على كل من تحتها.
لذا فمن المهم جدا معرفة الأسس التي ينال
بها فرد ما بعينه عطية خاصة، حتى نستطيع أن نسلك ذات السبيل للتحلي بالأهلية لنيل ما نال.
المشكلة في كثير من الأحيان أننا لا نشغل أنفسنا بالتعرف على الشروط والمواصفات، لأن في ذلك نقد الذات. وفي القرآن ما يؤكد على ذلك. ففي قصة ابني آدم (عليه السلام) كما ذكرها القرآن: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). لم يكلف قابيل نفسه عناء التفكير في سبب قبول قربان أخيه، بل ألقى باللائمة على أخيه دون نفسه هو. وكذلك فعل إخوة يوسف (عليه السلام) حين قالوا: (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِين)، لم يسألوا أنفسهم أو أباهم لماذا يحب يوسف وأخاه أكثر منهما.
لنتأمل في الروايات الثلاث التالية التي تبين لمن تكون العطايا الخاصة كالدين والإيمان:
عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ الْجُهَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ يَا مَالِكُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ أَحَبَ وَ مَنْ يُبْغِضُ وَ لَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا مَنْ أَحَبَ.
وعَنْ مُيَسِّرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنَّ الدُّنْيَا يُعْطِيهَا اللَّهُ مَنْ أَحَبَ وَ أَبْغَضَ وَ إِنَّ الْإِيمَانَ لَا يُعْطِيهِ إِلَّا مَنْ أَحَبَ.
وعَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الْمَالَ الْبَرَّ وَ الْفَاجِرَ وَ لَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ أَحَبَ.
إذن العطايا الخاصة تكون لمن فاز بدرجة المحبوبية عند الله تعالى، وأي درجة أعلى من تلك؟! وهل تقف العطايا الخاصة عند حد إذا كان المعطي هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وخير المعطين؟
الرواية التالية تكشف لنا مقاما عظيما يبلغه المحبوبون عند الله تعالى، كما تكشف طريق بلوغ المحبوبية ونيل عطاياها الجمة.
عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : قَالَ اللَّهُ: مَا تَحَبَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَحَبَّبُ إِلَيَّ بِالنَّافِلَةِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ لِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَ رِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا إِذَا دَعَانِي أَجَبْتُهُ وَ إِذَا سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ وَ مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي مَوْتِ مُؤْمِنٍ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَ أَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.
قد يستغرب البعض من هذا المستوى من العطايا، ولكن القرآن يؤيده، كما في قوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى).
فليكن سعينا دائما للوصول لتلك المراتب السامية والدرجات الرفيعة حتى نحظى بحب الله تعالى ونسعد بعطايا الحب الخاصة.
جمعتكم مباركة.. أحبكم جميعا.. دمتم بحب..