عندما يكون القانون فوق الجميع
يروي الكاتب علاء الأسواني هذه الواقعة ذات الدلات العميقة التي حدثت له في جامعة إلينوي في شيكاغو حيث كان يدرس للحصول على الماجستير:
"كانت أستاذة الإحصاء سيدة أمريكية بيضاء عنصرية تكره العرب والمسلمين وبالرغم من أنني أديت الامتحان النهائي بدون خطأ واحد، فإنني فوجئت بأنها أعطتني تقدير جيد جدا وليس تقدير ممتاز الذي أستحقه. شكوت ما حدث إلى زميلة أمريكية فنصحتني بقراءة لائحة الجامعة ومقابلة الأستاذة.
قرأت اللائحة فوجدت من حق الطالب إذا أحس بأنه مظلوم فى اختبار ما أن يتقدم بشكوى ضد أستاذه وفى هذه الحالة فإن إدارة الجامعة تعين مجموعة من الأساتذة الخارجين لإعادة تصحيح الامتحان، فإذا كان الطالب مخطئا فى شكواه فإن الجامعة لا تتخذ ضده أى إجراء (والغرض من ذلك عدم تخويف الطلبة من تقديم الشكاوى(، أما إذا كان الطالب محقا فى شكواه فإن النتيجة تتغير فورا ويتم توجيه إنذار رسمي إلى الأستاذ الظالم مع العلم بأن ثلاثة إنذارات توجه إلى أى أستاذ تؤدي إلى فسخ عقده فورا.
ذهبت لمقابلة الأستاذة المتعصبة ولما ناقشتها تأكد لي أنها ظلمتني فقلت لها بهدوء:
طبقا للائحة الجامعة فأنا أستأذنك فى تصوير ورقة الإجابة لأنني سأتقدم بشكوى ضدك. كان لهذه الجملة مفعول السحر، حيث صمتت الأستاذة لحظات ثم قالت إنها تحتاج إلى مراجعة الورقة مرة أخرى بعناية.
ولما عدت إليها آخر النهار كما طلبت أخبرتني السكرتيرة بأن الأستاذة عدلت تقديري إلى ممتاز"
ما يستوقفنا في هذه الحادثة هو الدور الرادع الذي تلعبه الأنظمة والقوانين واللوائح في محاربة التعصب والتمييز العنصري. فالتعويل على ثقافة الإنسان وضميره لا يكفي بطبيعة الحال، إذ البشر يظل بشرا تحركه في كثير من الأحيان غرائزه لا عقله. فبرغم المستوى العلمي لهذه السيدة، وكونها تعيش في وسط أكاديمي، وفي مجتمع ديمقراطي يحترم التعددية والهويات المختلفة؛ إلا أن ذلك كله لم يكن ليؤثر في تغيير السلوك العنصري لها. ما أثر هو القانون فقط، حيث دفعها الخوف من العقاب إلى مراجعة نفسها وتغيير قرارها.
كثير من أمثال النصف الأول من هذه الواقعة يقع يوميا في طول الوطن العربي وعرضه دون أن يحصل شيء في ظل غياب التشريعات التي تجرم السلوكيات التمييزية التعصبية، بل ربما تجد تلك السلوكيات من الثقافة الحاضنة ما يبررها ويسندها ويعززها. فالبعض يمارسون التمييز الطائفي أو المناطقي أو القبلي ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )، وقد يجدون من يصفق لهم ويعدهم أبطالا.
كم من الكفاءات تهمل أو لا تعطى حقها، وكم من الوظائف والمناصب يحرم منها البعض أو يعطى الشيء القليل لأسباب تعصبية، وكأنها ليست شريكة في الوطن!! وكم، وكم،....
من هنا فإننا نتطلع إلى سن قوانين جديدة تحظر وتجرم السلوكيات العنصرية المسيئة للوطن والمواطن، تماما كما حظر الأمر الملكي - الذي صدر مؤخرا بخصوص تعديل مواد نظام المطبوعات والنشر- نشر كل ما من شأنه إثارة النعرات وبث الفرقة بين المواطنين في أي وسيلة إعلامية.
بالطبع القانون وحده لا يكفي أيضا، بل لا بد من العمل على المسارات الأخرى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لإقرار التعددية وتحويلها إلى عامل فخر واعتزاز، بدلا من محاولات طمسها أو إخفائها، فالهويات لا تختفي وإنما تضطرها الظروف أحيانا للدخول في بيات قسري إذا لم تستوعبها الهوية المشتركة الجامعة.